المحاكمة الدرامية لرأس النظام المصري السابق حسني مبارك ستسجل كإحدى مبكيات المصريين الغلابى الذين قاموا بثورتهم ضد الظلم و الاستبداد و الديكتاتورية. زيادة على ما أبكاهم مما لحقهم من هذا النظام طوال ثلاثين عاما بقي فيها حسني مبارك و نظامه الفاشي على رءوس المصريين.
وان كنت من غير المحبذين أن يحكم على مبارك أو حبيب العدلي أو غيرهما من رؤوس الفساد بالإعدام إلا أنني لم أكن أتوقع أن تصير المحاكمة إلى ما صارت إليه. حيث لم تجرم المحكمة إلا قلة من الأفراد الذين كانوا مسئولين عن قتلى ثورة 25 يناير. ولو حوكم هؤلاء شعبيا لجر المئات منهم إلى السجون فلا يعقل أن تتحرك كل أجهزة الدولة بكاملها، وزارة الداخلية و الرئاسة و الحكومة و حتى الصحافة ضد الثورة و في الأخير يطلع الكل (زي الشعرة من العجين) وكأنه لا شيء حصل، لا فيه قتلى ثورة و لا حادثة الجمل و لا هم يحزنون.
ثم لا يعقل بتاتا أن لا يكون لمساعدي وزير الداخلية أي دور يذكر في محاولة فض المظاهرات بالقوة و العنف، ولو عن طريق المشي في طريق المسؤولية التي يتحملها رؤساءهم. ويتحملونها هم بمقتضى مساعدتهم لهم.
لكن الأمر واقعيا يجوز، فحتى مبارك وحبيب العدلي و القلة الذين اقتيد والى السجون ما هم إلا جزء صغير من تركيبة النظام المصري الذي لم يسقط بعد. و القضاء نفسه ما هو الا جزء من تلك التركيبة و المؤسسة العسكرية و أقطاب الاقتصاد المصري و غيرهم. فلأولى إذن أن تستمر ثورة المصريين ضد الذهنيات الدكتاتورية التي لازالت الكثير منها تسير كبرى الإدارات و الأجهزة في الدولة المصرية و التي لازالت لها اليد الطولى في حياة الغلابى من أبناء مصر. تستمر الثورة بحيث تبني جدارا ما بين الحق و الباطل و الحق بين و الباطل بين وما بينهما مشتبهات، تستمر بحيث يختار المصريون رئيسهم القادم بناءا على الصدق الذي نزل به الآلاف إلى ميدان التحرير ليضحوا بأنفسهم في سبيل الحرية.