الساعة الخامسة مساءا بتوقيت نيويورك، يرفع الدكتور درويش سماعة الهاتف ليسمع صوت ابنه يوسف، لا يريده أن يتأخر عن عيد ميلاد سلمى، الضيوف سيصلون عند الساعة الثامنة، بقيت له ثلاث ساعات فقط.. أخبره يوسف أنه قادم بالقطار من مونتريال.. من يأتي في القطار من مونتريال إلى نيويورك، تعجب بينه و بين نفسه !. وضع سماعة الهاتف.. كل شيء على ما يرام، لكن ماذا قديفعل في الثلاث ساعات القادمة قبل وصول الضيوف؟، تمنى في هذه اللحظة لو أن الوقت يرهن، فهو لا يحب أن يضيع أي دقيقة منه.
الدكتور درويش على شفا الموت، فهو مصاب بالسرطان و لم يتبقى له إلا عام أو عامين على أكثر تقدير و يرحل عن الدنيا، لذلك يريد أن يجمع أبنائه و أصدقاءه على عيد ميلاد حفيدته سلمى الواحد و العشرين لربما ليراهم لآخر مرة، لذلك ينطلق الكاتب في إلقاء الضوء على حياته حين كان في مصر و بعد أن انتقل إلى نيويورك قبل سرد قصة بعض المدعوين على حدة، بدءا بابنيه يوسف و ليلى ثم لقمان زوج ليلى و أبو سلمى، فزوجته الثانية زينب و بعض المقربين منه أو من أقربائه البعيدين.
ما أعجبني في الرواية هي قصص هؤلاء الناس، رغم أن قصص الكثير منهم حزينة و تشكل تراجيديا في حد ذاته. إلا أنها تشكل روايات صغيرة داخل الرواية، شخصيات الرواية كلها تقريبا لها تجربة في أمريكا بين من هجر الى هناك ومن ولد هناك و من عاش هناك و عاد الى موطنه بعد ذلك، ما يجمع هذه الشخصيات هو أنها لم تحقق النجاح الذي كانت تأمله أو لم تقف عليه في الأخير. و أعترف أن كل قصة ضلّلتني معتقدا بأني سأشهد نهاية معينة لها و أن الكاتب حين يروح ساردا قصة أخرى سيعود بالتأكيد إليها ليكملها و هو ما لم يحدث، لتبقى بعض القصص بلا نهاية معينة، مفتوحة لخيال القارئ نفسه، مثل أول قصة للدكتور درويش الذي كان قد اشترى بيتا في أحد المناطق الريفية في نيويورك ليكمل فيه ما تبقى من حياته مستغلا الأيام الأخيرة له في تأليف الكتاب الذي طالما تمنى تأليفه. فأنت كقارئ و لو ابتعد بك الكاتب لقصص أخرى ستظل تنتظر أن يعود ليسرد لك نهاية قصة الدكتور درويش و بيته الريفي، و لكنه لم يفعل ذلك.
اكثر قصة أعجبتني و استمتعت بقرائتها هي قصة ماريك الفتاة الهولندية و لقمان والد سلمى، قصتهما جميلة و لا تحمل الكثير من السوداوية، أحبا بعضهما البعض و تلاقيا و عاشا أياما جميلة قبل أن يلتقيا مجددا في نيويورك بعد سنوات ليعيشا أوقاتا جميلة من جديد، و على الرغم أن الكاتب قدم لنا نظرته للعلاقة بينهما من رؤياهما الخاصة و هو أنهما لن يستطيعا العيش مع بعض إلا أن قوة الحب التي جمعتهما تطرح لنا هي الأخرى رؤية مختلفة بأنه ربما يمكنهما ذلك فعلا إن تخلى كل منهما عن مدينته التي لا يريد مغادرتها و محاولة العيش في نيويورك إلى جانب شريكه.
زيادة على القصص التي لا تحمل نهاية مشبعة للقارئ هناك نهاية الرواية التي جاءت مفاجئة لي، مسار الرواية كان يمشي بوتيرة معينة، هادئة بشكل ما قبل أن تأتي النهاية بوليسية و مأساوية إن صح القول، ففي إحدى محطات مترو نيويورك تعود سلمى متأخرة إلى بيت جدها من واشنطن بعد أن فوتت حفلة عيد ميلادها لتجد وهي الفتاة الوحيدة في محطة شبه مهجورة أربع فتيان يتبعونها و كما توقعت فعلا كانوا ينوون الإعتداء عليها، و على الرغم من أنها تخلصت منهم بأن غرست قلما في عين أحدهم، إلا أنهم أصابوها برمح في الوجه و هي تركب القطار الأخير.. نزلت في إحدى المحطات و أغمي عليها بسبب ما سال من وجهها من دماء و انتهت الرواية.
في رأيي الخاص أظن أن الرواية لم تكتمل، كان بإمكان الكاتب أن يسرد الكثير و أن يجعل روايته أكبر و أن يعطيها نهاية تستحقها و يؤسفني القول أنها لم تكن بروعة ما كنت أنتظره، كنت قرأت عنها الكثير من المراجعات و أحببت قراءتها و في كل مرة كنت أؤجل فعل ذلك كنت أزيد شوقي في انتظار أن أستمتع بما تحمله وهو ما لم يكن إلى حد ما. وهي نصحيتي لكم كذلك إن كنتم لم تقرأوها بعد.. لا تتوقعوا الكثير.
بطاقة الرواية:
- العنوان: عناق عند جسر بروكلين
- المؤلف: عزالدين شكري فشير
- تاريخ النشر: 2011
- الناشر: العين
- عدد الصفحات: 219
- لتحميل الرواية من النت