من المشاكل التي أعانيها مع الكتابة، الصعوبة التي أجدها في الاسترسال في التعبير عما يجول في رأسي. حين أهم بالكتابة عن موضوع ما، أجدني أمام صفحة بمصطلحات شحيحة لاتكاد تبلغ جملة مما أريد قوله، يدفعني هذا الأمر دوما لوضع القلم جانبا والرضى بكوني لم أبلغ بعد مرحلة أن أكتب شيئا يستحق أن يكتب، أنا من المؤمنين بمقولة بألا تسبق زمانك، إن لم يكن الوقت يسمح بأن أكتب شيئا ما أرضى عنه لن أكتب شيئا إذن.. لكن هذا ما لا ينصح به خبراء الكتابة (للكتابة خبراء، هل سمتعم بهم يوما ؟؟)، يقال أن التعود على أي شيء وإجادته ينبغي ممارسته يوميا وبدون توقف، أو على الأقل الاستمرارية في ممارسته حتى يلين.
مما يولد لدي شعورا بالنقص كذلك، القياس بما يكتبه الآخرون، أنا من أشد المهووسين أحيانا بكتاب شباب يجيدون الكتابة كما تجيد أمي فتل الكسكسي وهي تفعل ذلك ببراعة كبيرة. ليس علي أن أفعل ذلك طبعا، أنا مقتنع أن لكل أسلوبه الخاص الذي يكتب به ولو كان مقلدا، لكن هذا لا يمنعني من تمزيق كل ورقة أو حذف أي نص على الكمبيوتر لا يجاري ما يكتبه البعض.
الأمر أصبح مرهقا كثيرا، أريد أن أتميز بأسلوبي الخاص في الكتابة، أن أجمع ما بين البساطة والثقل في التعبير (أراهنكم على أنكم لم تفهموا شيئا).
دعونا الآن من الكتابة، لا أعرف إن كان شاهد أحدكم هذا الفيلم قبلا، لأنه سبق وعرض عديد المرات على قناة mbc max عنوانه “التروتسكي ” نسبة إلى الثوري الشيوعي ليون تروتسكي. يتناول الفيلم قصة طالب بمدرسة ثانوية اسمه ليون برونستين متأثر أيما تأثر بالزعيم الشيوعي الذي يكاد يشابهه في الإسم فيعمل على نحو منحاه في الحياة بأن يكون شيوعيا ويتزوج بالمرأة التي يحبها والتي تكبره سنا ولا تحبه إلا بعد أن يملأ الدنيا ضجيجا بنقابة يريد تأسيسها بمدرسته الثانوية.
ليون الذي يطلق على نفسه التروتسكي ويحمل دوما كتابا أحمر عن الثورة الشيوعية ومبادئ تروتسكي، يعمل على شن إضراب للعمال في مصنع يملكه والده احتجاجا على عدم وجود أوقات للراحة وينجح في ذلك إلى حدا ما، قبل أن يعمل على تأسيس نقابة للطلبة بالمدرسة الثانوية التي يدرس بها، لكنه يواجه عائقين يحولان دون تحقيقه لمراده منها، الأول يتمثل في تضييق إدارة المدرسة عليه والثاني عدم الاكتراث الذي يلقاه من التلاميذ أنفسهم. لكنه رغم ذلك يكافح ليجسد مشروعه مستلهما كل ذلك مما لقيه مثله الأعلى ليون من صعوبات في حياته.
من يعرف ليون تروتسكي يعرف أن شوكته في الاتحاد السوفياتي انتهت بمجرد موت لينين وتولي ستالين مقاليد الحكم، الأمر الذي اضطره للهروب إلى المكسيك التي اغتيل بها سنة 1940. شبيهه في الفيلم ليون، يدخل في مناقشات مع المحيطين به، المؤيدين لأفكاره أو الرافضين لها على غرار والده تظهر لنا على تباع ماعايشه تروتسكي في حياته السياسية القصيرة وما قدمه للاتحاد السوفييتي ومبادئه التي عمل على تحقيقها وكيف أنه لم يحد عن الطريق خلافا للذين خلفوا لينين على رأس الدولة الشيوعية العظمى ومن أبرزهم ستالين.
أعجبني جدا ما قدمه جاي باروشيل في الفيلم، هذا الممثل الموهوب استطاع أن يحاكي بإتقان شخصية ليون برونستين المهووس بتروتسكي، إنه أحد ممثلي المفضلين الذين يبرزون في جميع الأفلام التي يقومون بها ويقدمون شخصيات مختلفة كل مرة وناجحة. كما أعجبني أيضا في الفيلم مطالبة بطله إدارة المدرسة في اعتصام أقامه على مبناها فتح طريق آمن له ولأعضاء المدرسة نحو دولة فينزويلا، الدولة الجارة بالقارة الأمريكية والتي تعتبر معقل الاشتراكين في الأمريكيتين.
في الأخير إن كان هذا الفيلم يحمل في معناه التأثر الواضح لبعض الأمريكيين بالشيوعية العالمية، ويظهر مدى الحرية التي يتمتع بها الأمريكيون في التعبير عن توجهاتهم السياسية يوجد فيلم آخر عكس ذلك تماما، لربما يطيب المقام للكتابة عنه في تدوينات قادمة.