ولسن الذي فقدته!

كولن ولسن

عدت لقائمة مفضلاتي على موقع bookmarks2  لعلني أجد شيئا مثيرا أطلع عليه بعدما مللت من البحث عن شيء مفيد في النت، كانت هناك الكثير من المواد الالكترونية، روابط لمقالات وفيديوهات ومواقع الكترونية متعددة، بعض من تلك المواد التي أثارت اهتمامي وجدتها قد اختفت، مواقع الكترونية توقفت ولا يوجد لها أرشيف، ومواد أخرى حذفت ربما أو حولت من موقعها الأصلي. وجدتني لفترة مشغولا بتلك المواد التي لم أعثر عليها، من بينها مقالة جميلة أتذكر أني قرأتها حول الكاتب الإنجليزي كولن ولسن صاحب كتاب اللامنتمي في موقع knol الخدمة التي كانت يوفرها غوغل لكتابة المقالات والشبيهة بموسوعة ويكيبيديا قبل أن يقوم بغلقها بعد أن لم تحقق المراد من وجودها. ما بقي في رأسي من تلك المقالة التي إن لم تخيبني ذاكرتي كانت مترجمة هو حديثها عن ولسن انطلاقا من الربط بين ولسن الكاتب العظيم الذي لطالما شغل النقاد والمفكرين وكانت له معهم عداوات كثيرة وولسن الإنسان الذي تشكل من بساطته ذلك الكاتب الفذ.

لم أقرأ لكولن ولسن سوى كتابين اثنين، أولهما كان كتابا جميلا عن الغريزة الجنسية عند الإنسان عنوانه “أصول الدافع الجنسي” صدر عام 1963، قرأته وأنا بعد صغير، ووصل إلى يدي بعد أن أخذته من صديق مع مجموعة أخرى من الكتب عثر عليها بإحدى المزابل. ما أذكره عن ذلك الكتاب الذي كنت أخفيه في مكان لا تستطيع أي يد أن تصل إليه لتتصفحه هو احتواءه على الكثير من التفسيرات الغريبة للرغبة الجنسية عند البشر، مع روايات لحالات جنسية في الغالب شهدها المجتمع الأوروبي خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، والذي كان على ما يبدو محافظا ويقمع أي محاولة للتحرر الجسدي ما جعل مكبوتات البعض تتفجر في ظواهر غريبة وأنت تقرأ عنها تحس بالإنفعال ويأسرك ولسن بقدرته على بلوغ الشعور الإنساني العميق الذي يطفو كلما تم فتح حديث عن “الجنس”.

الكتاب الثاني الذي قرأته لهذا المفكر والروائي الذي جلب له كره أقرنائه من الكتاب والصحفيين والنقاد مع أول كتاب نشره قبل أزيد من نصف قرن من الآن، كان هو الآخر كتابا رائعا عالج فيه ولسن عملية الإبداع الروائي، أتى بعنوان “فن الرواية“، واحتوى تحليلات للفن الروائي خصوصا الأوروبي منه وازدهاره في القرن السادس والسابع عشر بأوروبا مع الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو وروايته “الويز الجديدة” وغيره من كتاب عصر النهضة، وكذا تحليلات وقراءات في الكثير من الروايات العظيمة والروائيين العالميين الكبار. وكان أكثر ما أفادني به هذا الكتاب، هو كونه أمدني بسبب حقيقي أو ربما مقنع للفائدة المرجوة من وراء قراءة الروايات أو من الروايات في حد ذاتها. كنت حين بدأت في قراءة الكتاب مولعا بالروايات الكلاسيكية وقارئا شرها لأعمال روائيين أوروبيين عثرت على أعمالهم في رفوف قديمة بإحدى دور الشباب بالمدينة التي كنت اقطن بها. ولم أكن مقتنعا بالجدوى من قراءة كل تلك الأعمال على الرغم من أني كنت أقبل عليها بشراهة لاقيا في ذلك إشباع لجوع داخلي، لكن مع سؤال بسيط ضل يشغلني كثيرا وهو ما إن كان لكل تلك الكتب من قيمة حقيقية كونها كانت مجرد قصص من نسج خيال أصحابها!؟. مع كولن ولسن في عمله هذا تخصلت من ذلك السؤال بإجابات مقنعة قدمها الكاتب كنت أميل إليها ولكن بشكوك. بعد قراءتي للكتاب أهديته في أول مسابقة عملنا عليها في مدونة “قرأت لك” قبل عامين من الآن لعل وعسى يستفيد منه قارئ آخر، لكني بالتأكيد سأعمد على اقتناء نسخة أخرى من الكتاب والاحتفاظ به كونه يمثل قيمة حقيقية على كل مكتبة أن تحتويه.

الكتاب الأشهر لولسن “اللامنتمي” والذي نشره حين بلوغه سن الخامسة والعشرين كأول أعماله المطبوعة لم أقرأه، لطالما رغبت بفعل ذلك، لكني لم أصادف نسخة ورقية للكتاب لحد الآن، وعجزت عن قراءة الكتاب بصيغة الكترونية. لكني حتما يجب أن أقرأه في يوم ما، كما سأحاول البحث عن الكتب والروايات الأخرى للفتى الغاضب الذي شغله وجوده في هذا الكون في سن مبكرة فانطبع ذلك على إبداعاته في الكتابة.

المقالة التي فقدتها، حاولت كثيرا أن ابحث عنها لكن بدون جدوى، اختفت وفقط ولم يبقى منها في ذاكرتي سوى تلك الصورة الجميلة التي أتمنى أن لا تنمحى حتى أتدلل بها أكثر على ولسن وعالمه الغريب.

 

زهرة زعتر

 

في رأيكم إلى أي مدى يمكننا توثيق حياة أحدهم بالشكل الذي يصبح في منظار الآخرين بطلا، بطلا بمعنى الكلمة وقدوة ومثلا أعلى للآخرين. أظن أن الجواب على مثل هكذا سؤال سهل جدا، الكتابة عنه أو انجاز فيلم حول حياته أو حتى كتابة موضوع عن بعض ما قام به، سواءا كان ذلك الشخص سيئا أو جيدا في علاقاته مع الآخرين أو في تفكيره، سلبيا أو إيجابيا في بيئته.
من هذا المنظور أظن أن الغرب تفوق علينا (متفوق بالنظر إلى صراعات الحضارات)، فأنت تجد آلاف الكتب إن لم أقل مئات الآلاف منها  تحكي سيرة أشخاص كان لهم وقع في مجالاتهم، كما تجد مئات الافلام والوثائقيات وحتى الصور حول انجازاتهم. عكس ما يحدث في بلداننا العربية، التي يندر فيها تناول حياة الآخرين في الكتابة او صناعة الافلام والوثائقيات او حتى في الصحافة، ولا اعرف ان كان السبب هو التكاسل ام عدم الوعي بقيمة ان نكتب عن شخصياتنا، فنحن لنا ابطالنا مثلما للغير أبطاله.
قبل مدة كنت قد طرحت على صفحتي في الفايسبوك تحديث جاء فيه ”

“يغيب عندنا في الجزائر مفهوم “سرد قصص نجاح الشخصيات الجزائرية” التي يمكن ان يَستلهم منها الآخرون وقود بناء شخصياتهم. خذ مثلا بالنسبة لرجال الأعمال، لا أعرف كتابا أو مدونة أو مقال صحفي يتحدث عن نجاح شخصية أعمال جزائرية. مثله الأمر في الرياضة والفن والغناء والسينما وغير ذلك الكثير… وفقرنا في هذا المجال لا يحيلنا إلا الى ضيق في الأفق!.”

وعلى الرغم من ان المنشور اخذ له بعض التعليقات الا انني اظن ان ما اردت ايصاله لم يصل، فقصدي كان اثارة حياتنا بقصص نجاح   لأفراد هم منا ويرطبنا بهم واقع واحد، نستلهم منهم قصصا، نقف عندها ونعزز بها واقعنا الذي يبدو في غالبه مملا ومحبطا وبلا أمل.
في هذا الصدد تعرفت قبل مدة على كاتبة جزائري (نجاة دحمون)، جمعني بها العالم الافتراضي، وسرني ان تعرفت على بعض اعمالها الادبية التي من بينها اول كتاب لها والذي جاء تحت مسمى “زهرة زعتر”.

هذا الكتاب  يتخذ من حكاية امرأة فلسطينية مناضلة موضوعا له،  اكثر ما سرني هو بعض مجسد من المفهوم الذي ذكرته فوق، ان يكون هناك من يعزز ارتباطنا ليس فقط بالارض بل بمن يعيش على الارض من افراد يستحقون ان تحكى قصصهم للآخرين.

هذا العمل جعلني أجري حوارا مع الكاتبة بخصوص عملها الأول، والظروف التي نشأ بها، والتي ربما تستحق ان تسرد في قصة لوحدها.

الارتباط الوثيق لنجاة بالقضية الفلسطينية جعلها تنشر قصصا من محكيات يومياتها مع “فلسطين” كمفهوم يخالج وجدان كل انسان مسلم، والجزائري بصفته من اكثر الذين يرتبطون روحيا بهذا المفهوم. كما شرفتني بأن وافقت على نشر مجموعة قصصها الموسومة أنا وفلسطين على حلقات في جريدة المقام، التي أشرف على تسيير قسمها الثقافي.
لقراءة الحوار الكامل مع الكاتبة على موقع جريدة المقام (من هنا). وهنا صفحة الفايسبوك الخاص بها للتواصل (فايسبوك).

قدم لضيفك كتابا

يحدث معي كثيرا أن يزورني أشخاص في البيت لا علاقة لهم بالكتب، الحقيقة أني لا أعرف أناس كُثر لهم علاقة بالكتب. و يحدث كذلك أن يمارس أولئك الزوار الإلتفاتات الغريزية لعمل “سكانار” لما بالمنزل.. تلفزيون، رنانة بلاستيكية! (ساعة حائط)، طاولة خشبية، كرسي.. كت.كت..كتب!.  تكون ردة الفعل بعد رؤية أي شيء.. أوه. و بعد رؤية رف الكتب.. امههه. لا اكتراث، الكتب آخر ما يستهوي أي زائر، ستجده متحمسا ليعرف ماهي الإضافات الجديدة في جهازك الرقمي الذي يعمل بالويفي، بكم اشتريت اللابتوب، مواصفاته. و غيرها من أجهزة البولشيت. أما الكتب.. امههه، يبتسم في وجهك تلك الإبتسامة التي يحاول بها إخفاء معنى “أنا لا أكترث”.. في الحقيقة ستكون مكترثا لو وضعت كتابا في يدك، بشكل آخر سأجعلك تكترث غصبا عنك إن لم تفعل. هذا يدخل في معنى “السماطة” الثقافية التي أرد بها على جولاتك الإستكشافية في المنطقة.

غير ذلك، يشكل أن تعطي زائرا لمنزلك كتابا يتصفحه بينما هو يشرب قهوته، أو وقتما يتوقف دوما حديثكما ذلك الذي يكون مبنيا على أمور مشتركة قليلة بينكما فيأتي بعده ذلك الفراغ من الصمت الذي يكون محرجا في غالب الأحيان، فكرة ذكية لحد ما بالتسويق لاهتماماتك وسط من لا يُقدر قيمتها أو يراها نوعا من الكماليات و أحيانا من الشّكليات الغير مهمة و التي تدخل في نطاق “الشبعة”.

قُم و أحضر كتابا مسليا وضعه في يدي ضيفك و قل له بابتسامة عريضة على وجهك .. استمتع. سيكون ذلك خروجا ذكيا من مشكلة الوقوع في فخ الصمت، و كذلك عملا تساهم به في الترشيد الثقافي !!!. هذا ما أفعله أحيانا، لكن لا تنسى أن بعض الضيوف سيتجرأون على القول، أعرني هذا الكتاب. في هذه الحالة قل لهم، إنه محجوز.

قصة حنا يعقوب و دروز بلغراد

صورة

من رواية دروز بلغراد لربيع جابر.

يحكي ربيع جابر الروائي اللبناني في رائعته دروز بلغراد الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربي للعام 2012 قصة حنا يعقوب و زوجته هيلانة قسطنطين يعقوب و  ابنتهما بربارة وما وقع للعائلة الصغيرة بسبب الحظ العاثر ووجود الرجل المتوسط القامة ، الحنطي الوجه، الأسود الشعر و العينين بائع البيض في المكان الخطأ في الساعة الخطأ.

لم يدر حنا يعقوب أن تجوله قرب ميناء بيروت على بكرة الصبح صائحا “بيض مسلوق” سيؤدي به إلى رحلة جهنمية محبوسا بلا ذنب في غرب السلطنة العثمانية في جزر البلقان و بلاد الصرب إلى جانب مساجين لا علاقة له بهم، فهم دروز مسلمون وهو مسيحي. هم متهمون بالقتل و النفي و هو بائع بيض بسيط من بيروت. حظه العاثر هو ما أوجده هناك.. حظه الذي قاده إلى أن يرى الويلات في رحلته إلى شرق أوروبا.. الرجل القصير القامة المدعو حنا صار سلميان غفار عز الدين  متهم ب 14 دعوى قتل وجرح وحرق.. اقتادوه من ميناء بيروت إلى جنب العشرات من الدروز و لم يزده صراخه أنا حنا يعقوب سوى غرقا في البؤس حد الاختناق.

اثنا عشر سنة قضاها حنا بين قبو منحوس في قلعة بلغراد  و بين دروب جهنمية في البوسنة و في حبس بائس في الهرسك و الصرب و بلاد الدانوب. رحلة شهد فيها مقتل أصدقائه الذين جمعه الحظ العاثر بهم واحدا واحدا.

رواية جميلة جدا، تاريخية تصنف ضمن أدب المعتقلات. ما أعجبني فيها هو كونها تحكي فترة تاريخية يجهلها الكثيرون عن الأيام الأخيرة للدولة العثمانية في بلاد الصرب و البلقان. وهي المناطق التي كانت تحت حكم العثمانيين. وأنا اقرأ هذه الرواية كنت كأني اقرأ رواية موانئ المشرق لامين معلوف, هناك أوجه شبه كثيرة بين الروايتين لعل أبرزها البؤس الكبير الذي عاشاه البطلان و النهاية السعيدة لكل منهما. أظنها تستحق أن تكون أفضل رواية عربية لعام 2012.

رواية ربيع جابر جعلتني أتساءل عن الظلم الذي كان يمارس في القرن التاسع عشر، وهل كان من بين الأسباب الرئيسية التي قضت على الخلافة الإسلامية, ما يسرده ربيع جابر عن أحداث ذلك القرن مرعب حقا, فحنا يعقوب شكل مثالا لكثير ممن عانوا من همجية التسلط و الجبروت وغياب العدل في ذلك الوقت.

اقتباس من الرواية:

“بائع البيض أراد أن يستدير و يهرب إلى البيت. دب الرعب في أوصاله برؤية الجبليين هكذا، مربوطين بحبل كالحيوانات  وراكعين على حافة البحر. حاول أن يحرك ساقيه لكن الذعر شلّ أطرافه. التفتت صوبه رؤوس، ثم رأى جنودا يقتربون منه، ورأى ضابطا يتقي بكف مرفوعة أشعة الشمس يبتسم له و يسأل عن اسمه”

أنصحكم بقراءة هذه الرواية، سوف تستمتعون بها و تستفيدون منها كثيرا.

لتحميل الرواية

كتابي الاول سكات للتحميل.

الصورة 1بحمد الله ومنه انتهيت من العمل على كتابي الاول الذي جاء تحت عنوان      ” سكات” بعد وقت من المراجعة و التدقيق.

الكتاب احتوى مجموعة من مقالاتي التي كتبتها على مدونة حلم وعلى مواقع اخرى وجائت في صيغتها النهائية بعد التعديل و التنقيح بمساعدة الاستاذ بلكحل جزاه الله عنا افضل الجزاء.

عن قريب سيوفر الكتاب على موقع لولو لمن اراد الحصول على نسخة مطبوعة .

بدون اطالة لتحميل الكتاب بنسخة بي دي اف    من هنا

لا يسعني سوى ان اشكر الله سبحانه وتعالى اولا لفضله العظيم ومنه على بنعمة العقل واشكر الاستاذ الكاتب و المدون رءوف شبايك لالهامنا اياه بفكرة التاليف وكل من ساعدني ووقف الى جانبي…

اهدي هذا الكتاب الى كل المدونين العرب بلا استثناء والى اخي في الغربة محمد والى الكاتب و المدون رءوف شبايك …