رحيل الباحث عن “رجل السكر”

صورة

في ديسمبر من السنة الماضية، وخلال فعاليات الملتقى الدولي للسينما بالجزائر، أعجبني بمدخل قاعة الموقار ستيكرز باللون البرتقالي الغامق لفيلم لم أعتقد أنه يحمل قصة كبيرة اسمه “البحث عن رجل السكر”. كان الفيلم الذي صمم ملصقه ببراعة بحيث شكل رسم لقيتار على ظهر رجل طويل الشعر يبدو من مغنيي فترة الثمانينات في الأحياء الفقيرة بأمريكا قد فاز تلك السنة بجائزة الأوسكار الشهيرة لأحسن فيلم وثائقي، والجميل فيه أن مخرجه سويدي ذو أصول جزائرية اسمه مالك بن جلول.

قصة الفيلم كما رواها مخرجه “هي عن رجل لم يكن يعرف أنه كان مشهورا. إنه رجل، أصدر منذ ثلاثين عاماً ألبوما غنائيا خلال فترة السبعينات، كان عملاّ جميلاً، إلاّ أنه لم يتمكن من بيع أي نسخة في أميركا. قام بتجربة أخرى، وأصدر ألبوماً جديداً، وكانت النتيجة نفسها، لا شيء تماماً. وبعدها، وكما تعلمون، ماذا يفعل؟ قرر التوقف نهائياً عن الموسيقى، وبدأ العمل في البناء، ولم يكن يعلم أنّ ألبوماته حققت نجاحاً في جنوب أفريقيا. رودريغيز أصبح أكثر شهرة من فرقة رولينج ستونز. لقد كان الأسطوانة البلاتينية لمدة عشر سنوات حيث حقق مبيعات ضخمة وأصبح أحد أكثر الفنانين شهرة من أي وقت مضى، إلاّ أنه لم يكن على علم بكلّ هذا”.

يعمل المخرج، من خلال فيلمه على نقل ما يعيشه الكثير من الجمهور في العالم وجنوب إفريقيا على وجه الخصوص من بالغ الطرب لأغاني سيكستو رودريغيز، الذي ينحدر من عائلة مكسيكية استوطنت ضواحي ولاية ميتشغان الأمريكية والذي أصدر خلال نهاية ستينات وبداية سبعينات القرن الماضي ألبومين غنائيين، لم يكتب لهما النجاح في حينهما. لكنهما نالا من الشهرة واسعا في مناطق بعيدة عن أمريكا في الفترة بين إصداريهما والعام 2000 بكل من نيوزلندا وأستراليا وجنوب إفريقيا ومناطق متفرقة من العالم، إلا أن صانع كل ذلك النجاح، كان يعمل في مكان ما من أمريكا بناءً حيث لم يصل إلى مسامعه تصفيقات الجمهور لطربهم من أغانيه أو رقصاتهم عليها.

بن جلول ورودريغيز

رودريغيز رفقة مالك بن جلول

أكتب هذه التدوينة عن الفيلم بالضبط، لأن مخرجه الذي صادف والتقى ببطله رودريغيز عام 2006 ليستوحي منه عملا وصل به إلى أرقى الجوائز السينمائية العالمية توفي أمس، في حادث ملأ اليوم صفحات الجرائد والوكالات الإخبارية. خصوصا وأنه بعد لم يبلغ من الكبر إلا 36 عاما ابتدأها وأنهاها بالسويد ما بين يستاد التي ولد بها وستوكهولم التي توفي بها في ظروف غامضة، يرجح حسب شقيقه أن يكون وفاته ناتج عن عملية انتحار.

من الغريب كيف أن الموت يصنع في وسط الأخبار المتراكمة للعالم حدثا مهما بذاته أكثر مما تصنعه حياة الشخص المتوفي نفسها، لم أهتم بمالك بن جلول حين شاهدت فيلمه أول مرة، ولم أكلف نفسي عناء البحث عنه، رغم أن ما حصل عليه فيلمه من شهرة في المهرجانات السينمائية التي شارك بها كفيل بذلك، خصوصا وأني كنت حين تعرفي على الفيلم وصاحبه صحافيا مهتما بالشأن الثقافي. لكن اليوم بعدما قرأت خبر وفاة هذا المخرج الصغير، رحت أبحث في أكثر من موقع وأكثر من مصدر المزيد عن حياته، حياتهُ التي انطفأت فجأة وهو في ريعان شبابه.
هنا تريلر فيلم “رجل السكر”
هنا ماكتب في الويكيبيديا عن مخرج العمل (بالفرنسية)
هنا الموقع الرسمي لرودريغيز بطل الفيلم