ساعي البريد: كيف الحال سيدة ماريا.
ماريا: بخير، مادامت لا تمطر.
حوار من أحد الأفلام.
-1
لا أعرف لماذا أكره المطر، نعم أكرهه، إنها الكلمة المناسبة تماما تلك التي تعبر عن شعوري نحو تلك القطرات من المياه التي تتدافع نزولا من السماء. الشتاء بصفة عامة، والأمطار بصفة خاصة تشكل لي إحدى العقد التي لم أستطع مع مرور السنوات التخلص منها، كلما حل الشتاء أقف محدقا في البعيد وكأن أمرا جللا سيحصل، وكأن الشتاء، ستكون أيامه القصيرة النهار آخر أيام سنفتح أعيننا بها صباحا. عندما أفكر في الموت، أفترض دوما أنني سأموت في يوم من أيام الشتاء الماطرة، نعم سيكون يوما هكذا مليئا بالوحدة والحزن، مليئا بالغيوم الكئيبة والبرد الذي يتسلل إلى كل ركن فينا قاضا مضجع الدفء والفرح.
-2
لا أعرف أي وجه شبه بالرومانسية ذلك الذي يراه البعض في المطر!، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أفكر في شيء قد يجمع الاثنين، الرومانسية تلك التي تبدو زاهية باهية والمطر ذلك الذي لا يسقط مع قطراته سوى الوحدة والحزن.
المطر يشعرني بالوحدة، حتى ولو لم أعيها خلال اللحظة التي أكون بها غير ذلك، أشعر بها عميقا في داخلي، حزن خافت، لكنه جميل بعض الشيء، ينطبق تماما على صورة أن يتكوم طفل صغير في فراشه من البرد، لكنه يشعر بالدفء.
-3
لم أعتد على شتاء العاصمة بعد، شتاء العاصمة على الرغم من أنه قليل برد إلا أنه كثير أمطار، اليوم، واليوم فقط بعد قرابة أسبوعين كاملين، توقفت الأمطار عن الهطول، اختفت بعض الغيوم وظهرت أشعة شمس محتشمة. حاولت قدر الإمكان في الأيام الماضية أن امشي تحت الأمطار وهي تنزل سيلا من السماء، لكني في داخلي بقيت أتحسس عدم قدرتي على تقبل ذلك، ليست لدي مطارية ولا أشتهي أن أحمل واحدة، على الرغم من أن البلل يكون نصيبي دوما حينما أخرج والسماء تمطر، لكن حساسيتي المفرطة تجاه المطر لا تتعلق بكوني أخشى البلل بقدر ما تتعلق بأمر آخر أعمق بكثير.. جزء منه ربما يعود إلى طفولتي الأولى التي كنتها ذات يوم.
-4
هذا الشتاء جاء مبكرا بأمطاره، يطرد الناس مبكرا إلى ديارهم، كما يحتم على أصحاب المقاهي أن يغلقوا مقاهيهم قبل أن يرتفع مؤذنوا المساجد بنادئهم لصلاة المغرب، وحدهم المشردون وعابرو السبيل من يبقون مستيقظين إلى آخر ساعة من الليل وهم يتمنون لو كانت لهم منازل تأويهم لسعات البرد وبلل المياه.
-5
أتساءل متى يقدم الربيع، متى تعود الشمس مجددا لمغازلة أسطح المنازل، ومتى يخرج الأطفال ضاحكين يلعبون إلى آخر ساعة في النهار من دون أن يسمعوا أصوات أمهاتهم وهن ينادينهم لدخول المنازل باكرا… ومتى، متى بالضبط أعود إلى حالتي الطبيعية، حين لا اشعر بأنني لست على ما يرام!.
-6
رغم كل ذلك، بعض الاشياء لا تحلو الى مع هكذا جو، لا يعني ذلك أنه يجعلها جميلة على ماهي عليه، لكنها تسقط بعضا من الضبابية التي تتجمع كلما وصلت الى مسامعي زخات المطر المتدفقة على النافذة.. مثل بعض الكتابة، القراءة ومشاهدة الأفلام.
اسمع أحمد الشريف، في أغنية “سهران معاك الليلة“، استمتع بها، لكنني لا اشاهد الفيديو كليب، الفيديو بلا أمطار، يرقص مع حبيبته صيفا.. ذلك الذي أتمنى أن يحل في أقرب الآجال.