روايتان..

1

قرأت رواية جزائرية صدرت مؤخرا، كانت في صفحات لا تزيد عن 120. كنت متشوقا لقراءتها بعدما سمعت الكثير عنها. دفعني حماسي إلى فتح الكتاب حتى قبل أن أصل إلى المقهى الذي عادة ما أقضي فيه منتصف يوم الخميس بعيدا عن ضجيج العاصمة. في الطريق إلى هناك كنت قد قرأت بعض صفحاتها، حين وصلت المقهى، جلست في أقصى ركن ورحت أنتقل من صفحة لأخرى راغبا أن تكشف لي هذه الرواية الجميلة العنوان عن روعتها.. حين أتممت قراءتها بعد ساعتين من الزمن.. وجدتني أريد أن أعيدها إلى محفظتي وكأني لم أقرأها أبدا، وكأني أريد الاحتفاظ بالصورة الأولى التي كنت أحملها عنها.. رواية تستحق أن أقرها، إنها من ضمن المشاريع الخاصة بالقراءة.

كانت الرواية من بدايتها إلى آخرها، حديث سطحي مللت من سماعه في الكثير من الروايات الجزائرية التي يظن الكاتب أنه يعرف من خلالها جميع مصائب المجتمع، العنوسة، البطالة، وخصوصا الجنس، ذلك الذي يطغى في هذه الرواية حتى ليحسب القارئ أنه يطالع الكاماسوترا. 120 صفحة أو تزيد كلها تتحدث عن أمور عادية وبسيطة بين صحفي شاب يحاول أن يعيش بحرية وفتاة محرومة من الاستمتاع بحياتها رفقة خطيبها الذي يرفض ممارسته للجنس معها قبل الزواج فتتخذ من الصحفي عشيقها الذي تحبل منه في النهاية، ومن ثم… لاشيء. انتهت الرواية وبقيت -حسب الكثير من النقد الذي طالها- مفتوحة تعبر عن رمزية العلاقات الاجتماعية… تبا.

الغريب، أو الغريب جدا، أنني اطلعت على الكثير من القراءات التي تسمى -نقدية- في الرواية، وكانت في غالبيتها قراءات تتخذ أسلوبا أكاديميا أعجز في الكثير من الاحيان عن فهمه، رغم أني مهتم بهذا المجال، أراء تمجد الرواية وصاحبها، حتى أن البعض وصفها، بالثورة في عالم الرواية الجزائرية!!. من هول ما قرأت، أشكك في سلامة قراءاتي أحيانا وأني ربما أكون ظلمت العمل. يحدث كثيرا ألا أحب رواية ما بينما تكون هناك عشرات القراءات -المتخصصة- التي تمدحها وتثني عليها حتى لكأنك تحسب نفسك تقرأ لدستويفسكي أو هيغو. لكن وبما أنني صحفي، يحدث في الكثير من الأحيان أن تصلني من البعض مثل هكذا قراءات تضخيمية في روايات قرأتها واعرف أنها لاتصل إلى ذلك الحد من الروعة التي لا أعرف من أين يستوحونها بالضبط، لا أشكك في سلامة قراءتي ومعها سلامة عقلي.
قرأت مؤخرا لسمير قسيمي، الروائي الجزائري الشاب على صفحته على الفايسبوك قوله “صدقوني، لم أعد أثق في قراءات الصحف للروايات، أتبلغ المحاباة أن تورط القراء في روايات سيئة إلى هذه الدرجة؟.. ورجاء لا يحدثني أحد أنها مسألة ذوق، لأن النص الذي لا يحتوي على الحد الأدنى لا يمكن أن نختلف فيه، ولا حكم للذوق فيه…”.

2

من حسن حظي، حظي الجميل مع الكتب، أني كنت أحمل غير هذه الرواية معي، في كيس به مجموعة من الكتب حدث وأن حصلت عليها من أحدهم ذلك اليوم، اقتنيت رواية أخرى ورحت أقرأها، منذ البداية، منذ أول حرف، شعرت وكأنها كانت هناك لتضمد جراحي التي أحدثتها الرواية السابقة، لم أتوقف عن قراءتها، عدت مشيا إلى الشوارع ووقفت قبالة البريد المركزي وأنا اقرأها بنهم حتى غصت في وقائعها. لم أكملها، رغم أني قرأت غالبية صفحاتها، ولغاية اليوم لم أفعل ذلك، على الرغم من أنه لم يتبقى لي سوى عشرون صفحة، أريدأن استمتع بتأثيرها لاطول وقت ممكن.

وانا اقرا الرواية الثانية وكانت لكاتبة جزائرية استغربت جدا كيف انني لم أطلع عليها سابقا، رغم انه حدث وان سمعت عنها كثيرا، اذ صدرت قبل عامين وفازت بجائزة عربية مرموقة. تاسفت لذلك حقا، لكن ذلك لم يمنعني من الاستمتاع بها وبكل ماجاء فيها من روعة الحكاية والسرد.

لم أخبركم بعد بعنوان الروايتين وكاتبيهما، ربما لأنني لن أفعل ذلك، أو على الأقل ليس في هذه التدوينة، الرواية الأولى لن أزعجكم بها، ستبقى طي الخيبة، أما الثانية فأقل ما تستحق تدوينة كاملة حولها.

Ps: كتبت هذه التدوينة قبل 6 أشهر ونشرت اليوم