سيبدو مبتذلا جدا أن أخبرك كم أنني صرت متعبا، لكن سأصر رغم ذلك على القول أنني بخير، بالطبع ستعرفين أن هناك شيئا ما ناقصا، وأن ضحكتي التي أطلقها عند أول حديث بيننا تنم عن غرابة لا يصلح معها اجتهادي في إقناعك بالخير الذي أصبته مؤخرا. أي خير قد تتوقعينه يحصل معي وأنت بعيدة. ستدركين ذلك بلا ريب، لذلك ستعرفين أنني تعبان وأحتاج على الأقل أسبوعا كاملا من الراحة والنوم وتناول طعام صحي والابتعاد عن شرب القهوة ومشاهدة التلفزيون والغرق حد التخمة في العمل. والأهم من كل ذلك.. رؤيتك وتناول فطور شهي معك على بكرة الصبح.
لن أطلب منك أن تأتي، لا أفعل ذلك وأكره جدا إشغالك بأمري، وربما -كما أحس بذلك- تشعرين ببعض الحسرة أنك لا تستطيعين أن تكوني بجانبي وأنك تعرفين كم أنني أود لو تفعلي، لكنني لا أجرؤ أن أطلب منك ذلك. كيف في رأيك تحلو لي الحياة وأنا معلق مع طقوس غريبة أمارسها يوميا بداعي الحياة، النهوض باكرا، الذهاب إلى العمل، أكل البيتزا عند منتصف النهار مع الكثير من الكاتشاب، شرب القهوة، الخروج مساءا مصابا بصداع في رأسي، تحمل غباء قابضي الحافلات، أشعر بالشفقة، لا أعرف على من أشفق. لكن بالأحرى على نفسي.. طقوسي الروتينية في العيش تمتد أمامي إلى ما لانهاية، سأتركها يوم في محطة ما وأغادر بدونها، لكن في ذلك الوقت بالضبط أحتاجك إلى جانبي، ستكون لي كل الشجاعة في المغادرة، في أن الحق بآخر طائرة تغادر، سنشتري تذاكر الرحلة من دون عودة. سنخسر آخر أموالنا ونتشرد كما كنت دوما تحبين أن نفعل، نمارس إنسانتينا كما هو مقدر لها أن تمارس، بعيدا عن الحبس المقيت الذي تعيش بداخله الآن. سنتمرد قليلا، قليلا وفقط ولنرى إن كان بالإمكان أن نخدع القدر، ونضحك عليه قليلا مثلما يفعل هو بنا يوميا.
تعرفين أنني لا أحب الأسئلة الطقوسية، لكن تصرين أن تسأليني دوما عن حالي، كيف هو؟، وكيف مقدر له أن يكون؟. تسأليني من دون حتى أن تبثي لي أي إشارة إلى انك ستكونين يوما ما معي، ألا تدركين أن حالي الذي تتمنينه أن يكون بخير، يعتمد عليك أنت في أن يكون كذلك. تعرفين هذا، لكنني لا أحب أن “أكسر لك دماغك” بهذه الأمور، ليس لأنك تعرفين بل لأنني أحلم بعيش غير طقوسي.. أن أسافر للصحراء الشاسعة وأتوضا برمالها وأصلي جنوبا، وأقطع بعضها شسوعا فأشعر بعطش شديد وفي جيبي زجاجة بيره، أحلل لنفسي شربها وأرتوي لأنني مظطر لفعل ذلك.
أعيش يوميا بأحلامي، الوحيدة التي بقيت تصلح لي وسط هذا التراكم الهائل للروتين. أتمنى فقط أن أنهض أن يسعفني الحظ وبعض تواطؤ القدر يوما ناشدا الابتعاد، الابتعاد إلى ما لانهاية، سنرحل معا، ستفتشين في حقيبتي إن كنت أحمل بها أيا من قوائمي التي تعتبرينها سخيفة، تنظرين إليها ببلاهة وتمزقينها وأنا أضحك بشدة من غباوتي، أن تفعلي الشيء الذي لم أستطع فعله لحد الآن، أن أمزقني من نفسي وأتحرر من وجودي الذي يثقل يوما بعد يوم.
في الأخير أنا بخير، رغم كل ما قلته فوق.. وسأكون بخير، هذا إن مازلت على وعدك بالرجوع يوما ما، غدا مجددا سأبدأ بخوض معارك جديدة مع طقوسي، وكما كل يوم، سأحاول بشدة أن أربح بعضها، فقط كي لا أكذب عندما تسأليني كيف حالك؟.