عن القراءة و الكتابة

لا أعلم لماذا حقا عندما كنا بالمدراس كانوا يعلموننا القراءة من غير الكتابة، و حتى بعد أن تعلمنا القراءة و أصبحنا نتقنها بقوا يعلموننا القراءة كذلك!! نعم ذلك صحيح.. بقينا نتعلم إلى آخر يوم في الثانوية النحو و الصرف و قواعد اللغة و التي كنا قد درسناها في سنوات سابقة بل و كنا نتعلم القراءة كذلك من خلال كتاب خاص كان يسمى “كتاب القراءة” و هو وإن اختلفت تسمياته في مختلف الاطوار الدراسية لكنه كان كتابا يحمل بين طياته مجموعة من المقالات أو الأدبيات التي كنا نقرأها و نعيد قراءتها كثيرا بطلب من الاستاذ. أنا لست أمانع هنا أن نتعلم شيئا ما، ففي الأخير كنا بالمدارس لنتعلم، ولكن التعليم الكلاسيكي هو ما كان ينغص علينا متعة التعليم الحقيقي و طبعا ذلك حتى بعد أن استحدثت وزارة التربية النظام الجديد !. ومما لم نتعلمه ولم ندرك باكرا أننا لم نفعل ذلك هو، تعلم الكتابة.

لم نتعلم في المدراس أن نكتب، و إن كنا نكتب الشيئ القليل من خلال التعابير الكتابية، لكن تلك التعابير نفسها لم تكن لتعبر عن معنى الكتابة الذي يحمل في طياته حالة خاصة تنتقل بالعقل من تلقي العلوم إلى مشاركتها و إنتاجها. الكتابة تلك الحالة التي يتحرر فيها العقل و يعبر عن عن نفسه، لامناص من تعبير العقل عن نفسه إلا من خلال الكتابة.. لكن المدرسة قتلت فينا ذلك التحرر، أنا لم أبدا الكتابة إلا حينما كنت في السابعة عشر أو الثامنة عشر من عمري وهو عمر جد متأخر لاكتشاف الرغبة في الكتابة و تطويرها. على الرغم من أن الكثير من التلاميذ (اكتشفتها في نفسي و في غيري) لديهم ميول للكتابة في سن متقدمة، لكن بسبب غياب الدافع تبقى تلك الرغبة أو الموهبة مدفونة و لا تكتشف إلا في حالات قليلة جدا.

في المدارس الغربية مثلا يعلمون الاطفال كتابة اليوميات، و اليوميات هي أحسن مثال عن معنى الكتابة. لأن اليوميات تعبر عن الحالات التي يعيشها الانسان سواء كان صغيرا أو كبيرا، تطرح أسئلة و تحليلات و تخرج المكبوتات الى النور. في مدارسنا لم يعلمونا كتابة المذكرات.. لم يحدث أبدا ذلك و لا أظنه سيحدث عن قريب.

عندما تدفن الموهبة في الصغر فلا سبيل الى اخراجها مرة اخرى الى النور.. ان تتعلم الكتابة و انت صغير هو افضل حل لتصبح كاتبا وانت كبير. ولا يعتمد تعلم الكتابة على ان يصبح المرء كاتبا و فقط بل يتجاوز الامر ذلك الى ادراك امور لا يمكن ادراكها الا من خلال الكتابة.

من جهة أخرى أعترف أن التدوين الاكتروني قد ساعدني جدا في تطوير موهبة الكتابة و كذلك الشبكات الاجتماعية و النت عموما.

لا تستأذن قبل أن تكتب، مقال جميل لعبد الله المهيري