تلفزيون الصناعات التقليدية !

في الوقت الذي تعرض فيه التلفزيونات التي تحترم عقول مشاهديها ( تحترمهم بالطريقة التي تراهم فيها بشرا مجبولون على التطور لا على التأخر)  تقارير عن التكنولوجيات الحديثة و المتطورة و تدعو إلى الاستثمار فيها من أجل تسهيل الحياة، يقوم التلفزيون الجزائري بعرض تقارير عن الصناعات التقليدية و الحِرف التي كانت تحترفها جدتي قبل 50 سنة من الآن في كل نشراته الإخبارية و كأننا بتلك الحرف و الصناعات “التقليدية” سنتطور و سنبلغ المجد!، لا بل و سنقيم الأعمال و نطور الإقتصاد و نوجد مناصب شغل.. حتى أن تلك الأشغال (و ليس الموضوع موضوع تهجمي عليها) لا تكاد تغري سائحا واحدا بشرائها أو حتى بالتقاط صورة معها (هذا إذا كان لدينا سياح أصلا !) و هو الشيء الوحيد الذي ربما قد تصلح له..

عندما فاز فريق جزائري العام الماضي بالمرتبة الثالثة في كأس الإبداع العالمية التي تنظمها شركة مايكروسوفت و ما أدراك ما مايكروسوفت  و قد كان الفريق الوحيد من الشرق الأوسط و شمال إفريقيا الذي وصل إلى تلك المرتبة المتقدمة،  لم نرى له ظهورا لا على نشرة الأخبار و لا على نشرة الدّوار، على الرغم من أن إنجاز ذلك الفريق الشاب يعتبر مكسبا كبيرا للوطن الذي رُفع علمه و نُطق اسمه في احدى أكبر المحافل الدولية للإبداع العالمي و التي ربما غالبية الذين يحضرونها لا يعروفون أصلا أين تقع هذه “الجزائر” !. . بينما في الجهة الأخرى في غرفة في قرية ما (مع احترامي الكامل و ليس الموضوع بشخصي) يمتهن فيها شاب حرفة تقليدية يصل إلى مسامعنا صوت مذيعة الأخبار التي تشيد بالقول بأن ذلك الشاب مثال الشاب الجزائري الذي يحافظ على أصالته و تراث أجداده و يمنح له تقرير خاص يعقبه تصريح من وزير السياحة يقول فيه أن الدولة (مع تريث واضح كي ترتكز الكلمة في ذهن المشاهد) تقوم بدعم هذه الجهود الرامية الى حفظ تراثنا و ذاكرتنا و العمل على دعم الشباب من أجل الإستثمار فيها.

أنا مللت و أنتم؟

الإنتخاب لا يعني بالضرورة الوطنية !

بسبب البرد الشديد و تساقط المطر و بعض الثلوج كذلك تحتم علي البقاء في المنزل طيلة اليوم, و لم أجد ما أفعله إضافة الى الاتصال بالنت سوى مشاهدة عملية الإنتخاب على التلفزيون الجزائري.. من بسكرة إلى بشار إلى العاصمة و عزازقة و اليزي و غيرها من مناطق الوطن مراسلون ينقلون أجواء الإنتخابات على المباشر.

لا أعرف كم من كلمة “حب الوطن” سمعتها على ألسن المراسلين و حتى المواطنين. الأغاني الوطنية التي يصدح مؤدوها بحب الجزائر و عشقها و إلى ما هنالك. المهم أن الذي يتابع التغطية سيتسلل إلى لا وعيه ارتباط ما بين الإنتخابات كفعل سياسي و حب الجزائر. و هذا خطأ و غير صحيح. أن تنتخب فأنت تؤدي حقا من حقوقك و لا دخل للجزائر في ذلك. من جهة أخرى إن آثرت عدم الإنتخاب كمشاركة سياسية فذلك لا يعني بتاتا وكما يروج له في التلفزيون أنك لا تحب الجزائر.. لأنك إن قاطعت عن قناعة فذلك حق من حقوقك و لا دخل للجزائر.

أمر خطير جدا ما يحاول البعض تسويقه من أنك مع أو ضد الجزائر بناء على إنتخابك من عدمه. إنه تهميش للأكثرية التي لم تنتخب، وأد لصوتها و محاولة اتهامها بشكل أو بآخر و بطريقة غير مباشرة بأنها ضد مصلحة الوطن..

أعرف أن البعض سيقول أننا تعودنا مثل هكذا أمور من التلفزيون, و أننا نعرف أن التلفزيون مؤسسة حكومية و هي تسعى بلا شك إلى دفع المواطنين للمشاركة في الإنتخابات خوفا من العزوف، لكن هذا أبدا لا يبرر زرع مثل هكذا أفكار في عقول المواطنين. خصوصا لو علمنا أن الكثيرين قد تتسلل إلى لا وعيهم مثل هذه الأفكار، فتسيء إلى مفهوم المشاركة السياسية. و التي لا تعني فقط الإنتخاب و إنما تعني إضافة إليه عدم الإنتخاب كذلك.

التلفزيون الجزائري، كوّر و اعطي لَّعور !

مع احترامي لكل من يعمل بالتلفزيون الجزائري.. لكنكم تستغبون الشعب.

هذا الرأي تكوّن لدي منذ فتحت عيناي على شاشة اليتيمة قبل سنوات، و ازداد هذا الرأي رسوخا حينما مررت ببرنامج “صباح الخير يا جزائر” قبل أسبوعين.
أولا أريد أن أقول أني تفاجأت لمركز بث البرامج في التلفزيون, و أنا أدخل المركز “بعد عناء شاق في البحث عنه، إذ أنه ليس هناك أي لافتة تشير الى المركز” ظننت أني أدخل لورشة بناء !!. هذا ليس عيبا لو كان التلفزيون تلفزيون خاص مثلا، لكن أن يكون تلفزيون حكومي هو وجه لدولة بأكملها تحاول أن تجد لها مكانة في أنظار العالم فهذا يتجاوز العيب بكثير. هناك عرفت لماذا تظهر الصورة بشكل رديء و كأن التصوير هو من زمن الإشتراكية!.

ثانيا و أنا أحضر نفسي للمرور بالتلفزيون كنت أظنني سأتحدث عن التدوين, لأنهم استظافوني هناك على أساس أني مدون. لكني وجدت المشرف على المواضيع يطالبني بالحديث عن المخطوطات، و لكم أن تتخيلو ذلك “المخطوطات!!”, و ما علاقتي أنا بالمخطوطات!؟. حينما قلت له أن لا علاقة لي بالمخطوطات أجاب بلا اكتراث، ماعليش اهدر برك!.

حين دخلت الأستوديو و جه لي المذيع أسئلة حول المخطوطات، كيف نحول المخطوطات الى مدونات الكترونية؟ ( يا رباه ماهذا السؤال). لم أجدني سوى أسايره في الحديث مع استغراب جد كبير من هذا الذي لا يعرف حتى معنى التدوين الالكتروني؟؟.

لا يتعلق الامر فقط بالأسئلة التي لم تكن في محلها، بل بالذهنية التي تسيّر و التي تقول: ما عليش الجزائريين مايهمهش واش يسمعوا، المهم برك يسمعوا!. يعني هل من الصعوبة أن يقوم المذيع بإجراء بحث بسيط على النت ليتعرف على التدوين الإلكترني؟, هل من الصعوبة أن يوجه أسئلة تمس الموضوع كي يفهم المشاهد البسيط حول ماذا يدور هذا الموضوع؟.

اتصل بي العديد من الاصدقاء (الذين لا علاقة لهم بالتدوين) يسألونني عن ماذا كنت أتحدث في اللقاء.. أحس حقا عند إجابتهم بأنه تمت الإساءة للتدوين على المباشر.

ألا نستحق تلفزيونا أفضل، يقدر المواطن و يحترم عقله؟. لا يستغبيه بعقلية “كوّر و اعطي لّعور”. هل أصبح المشاهد الجزائري لهذه الدرجة، مخبول لا يهم المادة التي تقدم له سواءا كانت جيدة أم سيئة؟ أم نقول ، هل أصبح هكذا التلفزيون الجزائري، متقوقعا على نفسه. لا يدري بأن العالم  تغير و أن الاعلام أصبح اليوم يقيم دولا و ينفيها.

أتساءل حقا، أين تذهب ميزانية التلفزيون؟. و أتساءل أكثر عن مهنة وزير الإعلام إن لم تكن الإهتمام بقطاع الإعلام في الجزائر.. هل هذا العمل صعب؟. ألا يشاهد وزير الإعلام قناة الجزيرة مثلا، قناة سكاي نيوز. أو حتى قنوات حكومية لجيراننا. إذا لم يكن الوزير يعي جيدا أن الإعلام اليوم أصبح هو السلاح الحقيقي، فلماذا هناك وزير للاعلام؟.

الجزائريون يستحقون الأفضل. نستحق تلفزيونا جميلا باستوديوهات جميلة و مذيعين جميلين و الأجمل نستحق إعلاما جميلا، يرتقي بالفرد الجزائري، يحترم فيه عقله، موروثه، تاريخه.