رحلة إلى الأغواط (الجزء الأخير)

إن لم تكن قد قرأت الأجزاء الأربعة السابقة عن رحلة الأغواط تجدها هنا

نمنا في الفندق، نمنا قرر العين ( هل هذا هو الجمع الصحيح لقرير، في، نام قرير العين). صباحا، لم أفق باكرا.. ربما حوالي التاسعة.. كنا نخطط لأن نرحل، و لكن يونس و حميد و قاسم و حسام وزبير فاجأونا بأن عرضوا علينا أن يأخذونا في جولة سياحية في المدينة. و لم نرفض طبعا، و كيف نرفض؟، كنت متحمسا لذلك، خصوصا و أنني منذ دخولي إلى الأغواط و أنا أسمع عما بها من مناطق جميلة، فقلت أنها فكرة رائعة ولو أننا تأخرنا يوما عن موعد رجوعنا إلى العاصمة فذلك لا بأس به إن كان في سبيل أن نستكشف النزر اليسير من الأغواط.

باب

باب بقوس يحمل زخرفة جميلة

بدأت جولتنا من فندق مرحبا، اتجهنا صوب باب قديم يطلق عليه باب الواد، يقع في الجهة الشمالية من مدينة الأغواط، كان في القديم بوابة دخول إليها. ومنه تقدمنا نحو سور مرتفع عن الأرض يقسم مدينة الأغواط لقسمين يشكل أحدهما القسم الحديث منها بينما يشكل الآخر القسم القديم. السور مرتفع عن الأرض ومنه يمكن رؤية كلا القسمين، بني السور في فترة ما من القرن الثامن عشر ليقي المدينة من هجمات الغزاة، و قد شكل فيما بعد جدارا فعالا ضد الغزو الفرنسي.

الباب القديم

تمشينا على طول السور و نحن نرقب من هنا وهناك مناظر جميلة للمدينة, يختلط لديك الإحساس ما بين الماضي و الحاضر.. تفاعلات نفسية على الرغم من كونها من غير ذي معنى موحد إلا أنها تشعرك بالراحة، ونحن نسير هنا و هناك نلتقط الصور وصلنا لما يشبه ضريح ولي صالح. و لم يكن ما وقفنا عليه بضريح و إنما كما قيل لي دار لها رمزية خاصة عند البعض تنتسب لإحدى الطرق الصوفية ، وجدنا عند عتبة تلك الدار اثنين أو ثلاثة من الرجال يتلون ما لم نسمعه  إن كان أدعية أم قرآن. تركناهم في روحانيتهم و أكملنا مسيرنا من على الحائط..

المكان الذي بدا لنا أنه ضريح لدى مرورنا به

مررنا بخرائب أثرية جميلة قبل أن نصل و نحن نبتعد عن السور قليلا نحو جهة المدينة الحديثة إلى حيٍ ذي شوارع ضيقة بعضها يتشكل في مدخله أقواس مبنية كتلك الموجودة بغرداية أو ببوسعادة. أما تلك الشوارع الضيقة فهي تشبه إلى حد ما  قصبة العاصمة.. لكن هنالك كانت قصبة بطابع صحراوي.. تأملٌ يحيلك على روحانية المكان و قداسته… تركنا بعضاً من ذاكرتنا هناك و انحدرنا في ممشى لغاية وصولنا لساحة عامة، ما يحيط بها من منازل دللّت بوضوح هندستها العمرانية على أنها من تصميم أنامل فرنسية. حميد، الصديق الذي كان يرافقنا أخبرني أن بداية أحد أفلام المخرج الكبير محمد الأخضر حمينا صورت بالمكان، و لم أعرف أيا منها هو ذلك الفيلم.

خرائب أثرية أعجبتني

خرائب أثرية أعجبتني

DSC01349 DSC01346

DSC01347

وصلنا أخيرا إلى مسجد عتيق كنت سمعت عنه الكثير بعد أن نزلنا ها هناك، يسمى المسجد الجامع الكبير، لكنه يعرف بمسجد الصفاح، و له قصة جميلة سمعتها من حسام، و أنا أستسمحكم أن أتركها لنفسي لأني نسيت بعض أجزائها و أخاف لو ذكرتها أن أغفل عن بعض جوانبها أو أزيد وهو ما لن أبتغيه لذلك المعلم الجميل و لا لنفسي. المهم أن الجامع يقع في ارتفاع عن ما عداه من المنازل و لا يرتفع عنه سوى قلعة مشوهة المنظر بناها الفرنسيون في أعلى تلة تقابله. بدا المسجد في حلة زاهية و نحن نستكشفه، هندسته العمرانية الإسلامية و صومعته التي تعلو في السماء بطولها و تعلو و تعلو كلما نطق المؤذن الله أكبر للصلاة.. هناك بجنبه كذلك جامع صغير بدا لي أنه مبني بالجير اسمه الجامع العتيق و هو من أقدم مساجد الأغواط، جامع يحمل و أخوه الذي بجنبه خيرا لا شك يعم المدينة بأكملها.

مسجد الصفاح

مسجد الصفاح

جانب من مسجد الصفاح

جانب من مسجد الصفاح

الجامع الذي يقابل جامع الصفاح

الجامع الذي يقابل جامع الصفاح

ثم تلك القلعة الفرنسية التي سبق و ذكرتها، و لم أجد أنها تحمل مميزات عدا عن كونها بنيت على ارتفاع فوق المدينة و في غالب الظن بنيت هناك لتكون مركز مراقبة، حاولنا دخولها مع اصرار يونس على فعل ذلك، لكننا لم نفلح سوى في الدخول إلى محيطها و مراقبة الأغواط من فوق.

القلعة التي تحتل جزءا من هضبة كبيرة تفصل ما بين جزئي مدينة الأغواط

القلعة التي تحتل جزءا من هضبة كبيرة تفصل ما بين جزئي مدينة الأغواط

السور لا ينتهي إلى في مكان بعيد، و نحن نصل إلى الطريق الذي يفرق ما بين جهتي المدينة القديم و الحديث توقفنا و التقطنا بعض الصور، أخبرني حسام عن بعض العادات التي لازال البعض من سكان الجهة القديمة يحافظون عليها، ومن بين تلك العادات عادة تسمى الضواقة أو الذواقة كنت تكلمت عنها هنا.

عدنا إلى وسط المدينة و فيما كان يبدو أن الجولة انتهت تفاجأنا بأنها بدأت للتو!. كان علينا أن نأخذ معنا تذكارات من الأغواط، لذلك ارتأى الإخوة أن نزور المحلات التي تبيع الهدايا التذكارية و جميل أنّا فعلنا، لأنه مع فعلنا ذاك اكتشفت شيئا جميلا ربما قد تكتشفونه معي إن لم تكونوا قد زرتم الأغواط سابقا، و هو أنه من هذه المدينة ظهر ما يعرف بفن الرسم بالرمل و الذي انتشر إلى خارج الحدود. زرنا محلا تصادف أن صاحبه أحد الذين يتقنون هذا الفن، بعد أن عرف أننا من السياح أو شيء من هذا القبيل أدخلنا ورشته الخاصة التي يقوم فيها بعمل لوحات فنية جميلة و الرسم على تشكيلات مختلفة من الأواني الزجاجية و غيرها. حصلت منه على تذكار خاص و هو عبارة عن حاملة أقلام توضع على المكاتب (لا أعرف أن لي مكتبا!) لكن التحفة أعجبتني بما تحمله من رسوم لجمال. كذلك فعل الأصدقاء الذين حصل كلٌ منهم على تذكاره الخاصة.. و من هنا، من ذلك المحل عرفنا أن هناك معرضا فنيا خاصا بفن الرسم بالرمل بإحدى المراكز التي تهتم بالتراث و الصناعات التقليدية، فما كان علينا إلا أن قررنا زيارته.

DSC01383

هذا الفنان نسيت اسمه، ربما كان عبد الباسط أو عبد الصابر

DSC01391

ولجنا المعرض الذي كان يقام في مبنى بثلاث طوابق، و في كل طابق صالتان أو ثلاث مخصصتان لفنان أو اثنين يعرض فيهما أعماله، و لن تصدقوا الإبداع الذي وقفنا عليه في أعمال هؤلاء الفنانين، لوحات فنية رسمت بالرمل.. و الرمل فقط. تبعثرنا هنا و هناك في كل الطوابق، ما أحزنني أنني لم أستطع أن أشتر أي لوحة بسبب ماكان أصاب جيبي من شلل، في البدء كنا نتعرف على هذا الفنان و ذاك، قبل أن ينتبه أحد من يديرون المكان لوجودنا، حيث أنّا دخلنا كالنحل لذلك المكان الذي كان شبه فارغ إلا من بعض المُنضمين، عندها قام باخبار مسؤوله الذي جمعنا ليعرفنا على ما تبقى من المعرض قبل أن يأتي مدير المركز الذي رحب بنا و كل من كانوا هناك ترحابا يدلل على كرم الأغواطيين، التقطنا صورا جماعية و خرجنا من هناك بابتسامة عريضة تأمل العودة يوما.

فنان لقيناه بالمعرض يحدثنا عن إحدى لوحاته الفنية

فنان لقيناه بالمعرض يحدثنا عن إحدى لوحاته الفنية

بعد جولتنا تلك عدنا إلى الفندق، و من هناك بقينا بعض الوقت قبل أن نحمل متاعنا و نتجه للمكان الذي حططنا به أقدامنا لأول مرة نزلنا هناك . كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة مساءا، المحطة كانت مليئة بالمسافرين، تساءلت في داخلي إن كانوا يحملون نفس الشعور.. هل أسرتهم الأغواط يا ترى؟. لمسات من الحزن طبعتنا ونحن ننسحب بحب من هناك، كان في وداعنا قاسم و زبير.. التممنا في الحافلة مودعين الأغواط و أهلها الذين لايكفون عن الابتسام، الذين أغدقوا علينا بالكرم و المحبة، آملين في حجة أخرى لذلك المكان المقدس يوما من الأيام.

المزيد من الصور عن رحلة الأغواط على موقع فليكر.

على الهامش: سأجمع مذكراتي التي كتبتها عن رحلتي إلى الأغواط في كتيب صغير أنشره على النت و أضعه هنا للتحميل لمن يود قراءته و ذلك حتى يسهل الإطلاع عليه.

رحلة إلى الأغواط (4)

بعد نهاية الملتقى توجهنا إلى المطعم لتناول وجبة الغذاء و كالعادة كان “المشوي” حاضرا بقوة و كنت رفقة “الشلة” ننعم بطاقة لابأس بها في التعبير عن القدرات الأكلية مقارنة بالقدرات الأخرى التي أردنا أن نبين عنها في الملتقى :).

DSC01247

بعد حلقة الأكل تلك عزمنا زبير على منزله، في المساء، حيث كان طه زرقي قد غادرنا إلى البويرة، تجمعنا في بيت زبير و التقينا بذلك الأب الرائع الذي فتح معنا نقاشات ذكية حول اللغة العربية و أشياء أخرى، حتى لكأن الملتقى تواصل، و قد كان كذلك فعلا حينما امتدت تاثيراته لتخلق حركية في طرح اشكالية اللغة العربية  ذلك المساء.

في بيت الزبير و مع استمتاعنا بطروحات الأب الجميلة استمتعنا بالحلويات، أكلت كثيرا ذلك اليوم، ولولا الأضراس التي تطلق جرس الإنذار كل ما أحست بكمية زائدة من السكريات لكنت أفرغت جميع الأطباق من محتواها.

حلويات

حلويات

رجعنا بعد ذلك إلى الفندق و كان التعب قد نال منا، أخذنا قسطا من الراحة قبل أن نذهب لحضور الحفل الإختتامي للملتقى و الذي أقيم بدار الثقافة على ما أعتقد. لكن قبل أن أحدثكم عن حفل الإختتام أود أن أعرفكم ببطل رياضي محترف ليس في الأغواط و فقط وإنما في الجزائر و إفريقيا ككل. شاب حقق آمال شباب المدينة و شباب الجزائر بأن اعتلى المرتبة الأولى في مجاله الرياضي. أتكلم عن الامين بوركنة الذي كان كذلك من الذين رافقونا هناك في الأغواط..  وليد كان يناديه يشريكي لإعجابه به حتى أنه التقط له فيديو حين قدم عرضا رياضيا في حفل الإختتام. الأمين هو بطل الجزائر ثلاث مرات و بطل و متحصل على الميدالية الذهبية في وزن أقل من 51 كيلوغرام في الألعاب الإفريقية التي جرت بالجزائر عام 2007 في تخصص ما في رياضة الكونغ فو، حينما أطلعني على ذلك، قلت له “يجب ان آخذ صورة معك”. في الأغواط يوجد بطل إفريقي قي الكونغ فو.. أين جاكي شان؟!.

الأمين بوركنة بقبضتيه

الأمين بوركنة بقبضتيه

الحفل الإختتامي للملتقى

حسنا أولا سأخبركم شيئا عن منشط الملتقى و منشط الحفل الإختتامي كذلك، للأسف نسيت إسمه، كان تنشيطه للملتقى و للحفل الختامي رائعا، متمكن من اللغة العربية، عفوي، بهيج، نشيط.. و لديه ثقافة واسعة كذلك ومعرفة أحسبها جيدة بأبناء المنطقة و تاريخها.. لغته العربية جذابة، جذابة يعني أنه ينطقها بشكل صحيح و بصوت جميل لكأنك تحسبه ممثلا في مسلسل تاريخي!. لم أحضر الحفل من بدايته إذ أنني وصلت متأخرا قليلا بسبب أني تنقلت إلى مكان إقامة الملتقى مع قاسم في سيارة صديقه و قد ظللنا الطريق في البداية. المهم أني عندما وصلت وجدت أن الحفل قد بدأ، كان هناك كلمة ألقاها أحد الأساتذة حول الملتقى و حول اللغة العربية و قد كانت مداخلته القصيرة تلك جميلة جدا. بعدها جاء عرض جزء من مسرحية “فيزيو شظايا” لهارون كيلاني التي تحدثت عنه سابقا في الجزء الثاني. العرض المسرحي كان رائعا و قد أنهاه هارون بطريقته الخاصة التي صفق لها الجمهور طويلا.

بعد ذلك كان التكريم، و قد كنت أول المكرمين حيث سلمت لي شهادة شكر و هدية من قبل رجل كبير في السن عرفت أنه أحد شخصيات المنطقة و الذي قيل لي عنه أنه أول طيار في الجزائر.. هكذا قيل لي، لا تزال الأغواط تدهشني. ثم كان هناك تكريم لأعضاء GDG Aliers و أعضاء النادي العلمي. ثم عرض في الفنون القتالية قام به الأمين بوركنة مع فرقة خاصة. كان عرضا جميلا حقا. بعدها تم تكريم شخصيات أخرى شاركت في الملتقى على غرار الأساتذة الذين أدراوا المداخلات و بعض الشخصات الأخرى كذلك قبل أن يقوم قاسم، وهو غير قاسم صديقي المسرحي بإلقاء قصيدتين شعريتين تفاعل معها الجمهور كثيرا خصوصا و أن قاسم معروف في الأغواط بفكاهيته و روحه المرحة، قاسم الملتحي (إذا سمح لي بأن أناديه كذلك) كان أول من تفاعل مع مداخلتي حول التدوين حيث وفي الورشة الخاصة بالتدوين التي أدارتها سناء مساءا اطلعته على كيفية فتح مدونة و البدء بالتدوين.

DSC01291

كذلك كان هناك عرض لأحد الأساتذة من أبناء المدينة والذي أسس موقعا لبيع الكتب على الأنترنت، فكرة رائعة لطالما فكرت بعملها لكنني دوما ما كنت أقابل بمشاكل واقعية مثل الشحن الذي يتطلب دفع مبلغ مالي ليس بالقليل مع بريد الجزائر و كذلك سرعة وصول الطلب ووصوله من عدمه إلى غير ذلك. يمكنك الإطلاع على الموقع من هنا.

في ختام الحفل أطربت فرقة إنشادية الحضور بمجموعة من الأناشيد الدينية البهيجة، فكان ختام الحفل و الملتقى مسكا كما كانت بدايته مسكا.

DSC01295

انتظروا في الجزء القادم و الذي قد يكون الأخير آخر يوم في الأغواط و الذي جلنا فيه بالمدينة و تعرفنا على الكثير من تراثها و عاداتها و مناطقها السياحية.

رحلة إلى الأغواط (3)

الجزء الأول، الجزء الثاني

صباح يوم الثلاثاء، حوالي السابعة أيقظني زبير بمكالمة هاتفية لكني سرعان ما عدت للنوم  ولم أفق إلا بعد مرور ساعة بعد معركة كبيرة مع الوسادة. كنت قد تشاركت غرفة الفندق الواقعة في الطابق الثاني و التي تحمل الرقم خمسة و أربعين مع فتحي، فتحي شاب لطيف من مدينة البليدة. وإن لم يخب ظني فهو أصغر عضو في المجموعة، وهو عضو بالنادي العلمي للمدرسة العليا للإعلام الآلي. تناولنا فطورنا الصباحي بمطعم الفندق و هو مطعم جميل يطل على ساحة تأخذ طابعا عمرانيا عتيق الطراز، قبل أن نتوحه بعدها لمكان إقامة الملتقى.

صورة التقطتها لفتحي صباحا في البالكون المطل على ساحة الفندق

حميد

حميد أحد الشباب الرائعين هناك

وليد (على اليمين)، حليم (على الدراجة) ومهدي.. أمام الفندق

توجهنا في سيارة نقل خاصة من نوع “رونو ترافيك” إلى إحدى كليات جامعة الأغواط أين كان سيقام الملتقى الخاص باحتفالية اليوم العالمي للغة العربية. لدى وصولنا توجهنا قِبلاً إلى القاعة التي أقيم فيها الملتقى و هي عبارة عن قاعة محاضرات كبيرة و أنيقة كذلك، كان هنالك بعض الحضور من الطلبة و بعض الأستاذة المحاضرين، أخذنا أماكننا قبل أن يتم الإعلان عن الإفتتاح الرسمي.

قبل افتتاح الملتقى

قبل افتتاح الملتقى

رياض يعلن افتتاح الملتقى

رياض رئيس جمعية شباب الأغواط يعلن عن الإفتتاح الرسمي للملتقى

قبل بداية المداخلات المبرمجة كانت لي فرصة اللقاء بالفنان المسرحي هارون الكيلاني حين قدمني إليه قاسم، هارون ابن مدينة الأغواط و هو رائد تجربة جديدة في المسرح إسمها مسرح الفتيان أو هذا ما قاله قاسم، و كنت سبق و التقيت بهارون لأول مرة خلال فعاليات مهرجان سيدي بلعباس للمسرح المحترف و كان لقائي به ذلك اليوم اللقاء الثاني. و قد عرض في حفل اختتام الملتقى  جزء من إحدى مسرحياته الشهيرة “فيزيو شظايا” الذي استمتع به الجمهور، و للأسف الشديد كنت فَوَّت على نفسي مشاهدة العرض كاملا قبل حوالي ستة أشهر حين شارك هارون بمسرحيته هذه في مهرجان سيدي بلعباس للمسرح المحترف و االغريب في الأمر أني فوت على نفسي مشاهدة هذا العرض للمرة الثانية مرة أخرى بعد عودتي للعاصمة بأسبوع أين عرضت هذه المسرحية في أيام المسرح الخاصة بالجنوب.

الملتقى

المداخلات التي ألقاها الأساتذة تمحورت حول وجوب الحفاظ على اللغة العربية و حمايتها من غزو اللهجات المحلية ووجوب تمرير قانون التعريب حتى يكون للعربية قاعدة أساسية يتم الإنطلاق منها لتفعيلها الحقيقي في عملية البناء و غير ذلك.. قبل أن يقوم طه بمداخلته التي كانت حول مجموعة من مشاريعه الإلكترونية التي أطلقها و التي تهدف إلى تقريب اللغة العربية لغير العرب و كذلك بعض التطبيقات التي تسهل على المستخدم العربي استعماله للغة عربية صحيحة، سيكون لي موضوع خاص حول مشاريع طه الالكترونية التي لا يكفي المجال لذكرها هنا كلها. بعد مداخلة طه كانت مداخلة وليد رئيس   gdg الجزائر و التي كانت حول دعم غوغل للغة العربية عبر تطبيقاته الشهيرة كيوتيوب و غوغل بلاس و خرائط غوغل و غيرها.

IMG_5138

تم تأجيل المداخلة الخاصة بالتدوين  التي كان من المفترض أن تكون في الفترة الأولى من الصباح إلى الفترة الثانية بسبب عدم تمكني من تحضير عرض المداخلة، و فعلا لأني لا أملك باوربوينت على الكمبيوتر جاء العرض ناقصا نوعا ما، المهم أنه في الفترة الثانية قدمت مداخلتي حول التدوين و دوره في إثراء اللغة العربية على النت، لم أعرف حقا كم من الوقت كانت المداخلة لكن قدمت عرضا لا بأس به، أو هذا ما أظنه على الأقل.
بعد استراحة قصيرة كانت هناك في المساء ورشات تطبيقية لأعضاء مجموعة gdg، لم تكن تطبيقية بالمعنى المفهوم لكنها كانت تفاعلية أو هذا ما أريد منها على الأقل، أعجبني التناسق بين حليم ووليد في في إدراة الورشة، بل في إدارة جميع المداخلات التي قاما بها، إنسجام كبير و قدرة على جذب الإنتباه.. بعدها كانت هناك ورشة خاصة بالتدوين أدارتها عضو النادي العلمي سناء..

DSC01254

صورة جماعية بعد نهاية الورشات التطبيقية

بقي أن أقول أن الملتقى شهدا تنظيما جيدا و محكما يشكر كل من كان وراءه، سواء من فكر أو عمل أو ساند و دعم، تتكرر بذلك تجربة شبابية جزائرية أخرى تستحق الإشادة. وتنوه بأن الشباب يستحق أكثر من مشعل قد يكون انطفأ في أيدي الذين يحتكرونه.

انتهى الملتقى لكن الرحلة لم تنته بعد، انتظروا الجزء الرابع ;).

على الهامش: وليد و حليم و فتحي افتتحوا مدوناتهم، حليم قال أنه أخذ على كلامي بوجوب فتح مدونة، سعيد أن هناك من تأثر بمداخلتي 🙂 . لا تنسوا زيارة مدوناتهم، مدونة وليد، مدونة حليم، مدونة فتحي

رحلة إلى الأغواط (2)

اطلع على الجزء الأول

أول ما لفت انتباهي لدى دخلونا الأغواط هو الخُضرة التي تملأ المكان، عرفت فيما بعد أن المدينة كانت محاطة قديما بواحات كبيرة من النخيل قبل أن يقوم جيش المستعمر الفرنسي بإزالتها لشق الطرق التي تُسهل له سيطرته عليها. الماضي هناك له علاقة شديدة بالحاضر، كل مكان له تاريخه الخاص، هذا ما أحسست به و كل شاب من الأغواط كان يحكي لي بفخر عن ثورة أهل المنطقة على المستعمر الفرنسي بقيادة القائد البطل الناصر بن شهرة الذي كنت لأول مرة أسمع عنه و عن ثورته الكبيرة ضد المستعمر الفرنسي و عن تاريخه النضالي الكبير، ووجدت أنه من الغريب جدا كيف أننا لم نقرأ عن سيرة هذا الرجل العظيم في المدرسة، و على ما أعتقد أن إسم هذا المجاهد لم يذكر أبدا في كتب التاريخ المدرسية بجميع أطوارها !!.

مدخل مدينة الأغواط

مدخل مدينة الأغواط

و يحكي شباب الأغواط كذلك كيف أن أجدادهم الأوائل حطوا رحالهم هنا بعد أن قدموا من اليمن مع رحلة أبي زيد الهلالي و أنهم كانوا مجموعة من القبائل تسمى كل واحدة منها غوطا، فاجتمعت لتشكل الأغواط. أما عن حرف الغين الذي ينطقه أهل المنطقة قافا، فقد قيل لي أن هناك قبيلة عربية من مكة تنطق الغين قافا و أن أهل الأغواط من أكثر العرب الذين يصونون لسان الضاد و هذا ما وقفت عليه هناك إبان زيارتنا القصيرة.

في المدينة استقبلنا شباب الأغواط، كان رياض هناك بسيارته البيضاء اللون التي لم أستطع التعرف على ماركتها. عبد القادر كذلك كان هناك و أيضا يونس. توجهنا في ثلاث سيارات مستقلة إلى فندق في وسط المدينة يسمى فندق مرحبا، و حسب ما قيل لي فإن هذا الفندق هو أقدم فندق في المدينة و هو يأخذ شكلا تراثيا تقليدي العمران  بأقواسه المتعددة و مختلف التشكيلات التراثية التي يحتفي بها المكان كالزرابي و اللوحات التشكيلية التي تبرز الطابع الثقافي للمنطقة و غيرها. هذا الفندق يتبع لمؤسسة التسير السياحي و هي مؤسسة عمومية، و على الرغم من شكله العمراني الجذاب إلا أن الفندق يحتاج لبعض الإهتمام الخاص، أخبرني بعض شباب الأغواط أن الفندق تعرض للنهب خلال الإحتجاجات التي شهدتها الجزائر في شهر جانفي 2011 و التي عرفت باحتجاجات الزيت و السكر و أنه خلال تلك الإحتجاجات تم سرقة العديد من اللوازم التي كانت بالموقع و تخريب الكثير مما بالفندق. إلا أنه بعد هدوء الأوضاع عاد الفندق للعمل بشكل عادي و لكن ليس بنفس روعة ماكان عليه في الماضي، أتمنى فقط أن يعمل القائمون على المؤسسة على ترميم الفندق لأنه يشكل بحق واجهة ثقافية و سياحية للمدينة.

مدخل فندق مرحبا

مدخل فندق مرحبا

حوض صغير بوسك الفندق

حوض صغير بوسط الفندق

إقرأ المزيد

رحلة إلى الأغواط (1)

كان من المفروض أن أطرح هذا الموضوع من أربعة أيام، لكن ظروف حالت دون ذلك.

كنت قد دعيت من قبل جمعية شباب الأغواط لإلقاء مداخلة حول التدوين في ملتقى وطني أقيم بجامعة عمار ثليجي بنفس المدينة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية و الذي أعتمد في الثامن عشر من ديسمبر من كل سنة. و لم أكن قبل هذه المرة قد زرت الأغواط ولا ولاية أخرى من ولايات الجنوب. و قد وجدت أنها فرصة لا تعوض للتعرف على هذه المدينة التي لم أكن أعرف عنها سوى أنها تحمل الرقم 3 في الترقيم الإداري و أن أهلها ينطقون الغين قافا فيقولون عن الأغواط .. الأقواط.

لكن الذي اكتشفته هناك أثناء رحلتي أكبر من حروف اللغة كلها، فحتى الكلمات التي تحتويها اللغة التي تم الإحتفاء بها لا تكفي أن تعبر عن أهل الأغواط.. أجمل ما فيها أهلها. هل كان قصدا أن يتم الإحتفاء باللغة في  مدينة تعجز اللغة عن التعبير عنها.. ربما كان علي أن أطرح هذا السؤال على رياض كاف. رياض أحد أنشط شباب الأغواط و أول الوجوه التي تعرفت عليها هناك.

الرحلة انطلقت من العاصمة، وقبلها كنت قد تلقيت دعوة المشاركة في الملتقى من قبل أحد الأصدقاء الذين كنت أعرفهم من بعيد، زبير. زبير كذلك من الأغواط.. زبير لوحده يحتاج موضوعا كاملا للحديث عنه، كما هو كل شاب التقيته هناك في الأغواط. كنت قد قلت لأحدهم أنني لا أستطيع أن أكتب عنكم أهل الأغواط لأن الكتابة في حد ذاتها عاجزة عن التعبير عنكم.. قد أكون محقا، لأن ما أحاول كتابته ليس في روعة ما أحسست به تجاه الأغواط و أهلها و تاريخها. قلت أن الرحلة انطلقت من العاصمة، و قد رافقت مجموعة من المبدعين الشباب الذين تعرفت عليهم لأول مرة، مجموعة مطوري جوجل في الجزائر و اختصارا بالحروف اللاتينية GDG. هناك في محطة خروبة على السادسة و النصف صباحا و جدتهم مجتمعين .. أسماء، مهدي، قاسم، وليد،حليم، فتحي،و زبير الذي كان قد جمعنا للتوجه صوب الجنوب على مسافة 400 كلم.

الرحلة كانت طويلة، لكنها لم تكن شاقة، استمتعت بمشاهدة مدن و قرى على طريق لم يسبق لي و أن خضته من قبل و مناطق لطالما أردت زيارتها مثل المدية التي تبعد عن العاصمة حوالي 88 كيلومتر نحو الجنوب، في المدية حدثت حادثة تبحرين المشهورة، و التي قتل فيها سبعة من الرهبان الفرنسيين في دير من طرف القوات الإرهابية في أحد أيام عام 1996، الحادثة التي لا يزال صداها يرن لحد اليوم. و كذلك مدينة البرواقية، التي يوجد بها أحد أكبر السجون في الجزائر وتشتهر به، في البرواقية لي صديق هو عبد الحفيظ، عبد الحفيظ مدون كنت التقيته قبل فترة في العاصمة لدى مرورنا بإذاعة الجزائر الدولية. و مدينة قصر البخاري التي لا تبعد كثيرا عن البرواقية و كلتاهما تنتميان إقليميا لولاية المدية. و كلتاهما كذلك مجسدتان في كتاب للخير شوار، الكاتب الجزائري و الذي عنوانه الجزائر ايرث، و من الصدف أني التقيت بالخير شوار في فضاء صدى الأقلام بالمسرح الوطني قبل يومين لتقديم كتاب جديد له و أخبرته عن زيارتي للمدن التي كتب عنها في مؤلفه ذاك و قد كان شعورا غريبا أحس به و أنا أدخل مدينة سبق و أن أحسستها من خلال ذات أخرى هي ذات الكاتب التي زارها.

مررنا في طريقنا بمنطقة بوغزول وهي المنطقة التي تم اختيارها لتكون عاصمة مستقبلية للجزائر، لم أكن قد زرت بوغزول قبلا و قد كانت رؤيتها عن قرب فرصة للتعرف على هذه المنطقة التي من المحتمل أن تكون إحدى أكثر المناطق حركية في الجزائر. بوغزول منطقة مسطحة وواسعة، تبدو صحراوية البنية وهي تنتمي إقليميا لولاية المدية و تبعد عن العاصمة حوالي 160 كيلومتر، الغريب أنني لم أرى في بوغزول ما يدل على أنها ستكون عاصمة مستقبلية للجزائر. منطقة ساكنة لايوجد بها سوى لافتة توضح مخططا للمدينة العصرية. تساءلت كم من الوقت سيكفي ليأخذ ذلك المخطط حقه في الواقع؟.

مدينة بوغزول

المنطقة التي ستقام عليها مدينة بوغزول الجديدة

مررنا على عين وسارة بولاية الجلفة، في عين وسارة تذكرت الصديق منير سعدي.

بعد حوالي أربع ساعات من السفر في الحافلة توقفنا في إحدى المحطات قرب الطريق الوطني رقم واحد للاستراحة، كانت فترة قصيرة قبل أن ننطلق مجددا نحو وجهتنا. لم تخلو رحلتنا من المتعة، في حقيقة الأمر كان الأصدقاء الذين تعرفت عليهم طيبون، في البداية لم يكن لي انسجام سوى مع زبير لكن بعد ذلك استطعت التواصل مع بقية أفراد الرحلة. قبل أن نصل إلى وجهتنا حيث كان ينتظرنا الكثير.

على الهامش: هناك الكثير من الصور التي أردت أن أرفقها بالموضوع، لكن للأسف الشديد لم أستطع تحميلها بسبب الإتصال الكارثي بالنت.