عداد القراءة لشهر سبتمبر

روايات

شهر سبتمبر كان الأغزرفي قراءتي للكتب من بين شهور السنة، الحصيلة كانت عشرة كتب، من بينها ثمان روايات غالبيتها قرأتها في النصف الثاني من الشهر، مرتين أو ثلاث قرأت كتابين في نفس اليوم. كل ما أتمناه أن يكون هذا الشهر كسابقه أو أفضل، وأن يبقى ريتم القراءة مرتفعا وأن لا أصاب بعسر المطالعة الذي يزورني كلما اشتد جوعي للقراءة.
في هذه القائمة مجموعة ما قرأته مع فقرات بسيطة للتعريف بالكتب، في انتظار الكتابة عن كل منها منفردا.

ساق البامبو، سعود السنعوسي

اقتنيت هذه الرواية قبل سنة من الآن، ولم أقرها إلا بعدما أحسست بغصة جراء تركي لها وحيدة على الرف من دون أن ألمسها.
هي الرواية الفائزة بالجائزة العاللمية للرواية العربية “البوكر” العام الماضي، ما يمكن أن أوجزه في رأيي عنها، أنها للأسف لم ترقى إلى ما كنت أتوقعه منها، ربما أظلمها، لكن هذا شعوري تجاهها على كل حال.

أشياء تتداعى، تشينوا أتشبي

الرواية الأشهر لكاتبها الأديب النيجيري الشهير، منذ سنوات أنتظر أن تقع بين يدي.
تشينوا في روايته، ينقل عالمه الإفريقي الخاص قبل أن يسقط عليه صراع الحضارات الذي أوجده الرجل الأبيض.

ابن الشعب العتيق، أنور بن مالك

لم أكن أتوقع أن يكون هناك كاتب جزائري يمتاز بهكذا أسلوب في الكتابة، بن مالك في روايته هذه، أبدع بشكل خاص، استمد من التاريخ وقائع بنى من خلالها عالم روايته الرائعة. تستحق الرواية أن أحكي عنها طويلا.. ملاحظتي حول ترجمة الرواية أنها كانت غاية في الإتقان حتى لا يحسب القارئ أنه يقرأ رواية مترجمة.

الحلزون العنيد، رشيد بوجدرة

عندما بدأت في قراءة هذه الرواية، لم يكن هدفي الاستمتاع بها بقدر ما كانت رغبتي إعطاء بوجدرة فرصة في أن أقرأ له مجددا، لا أعرف بعد قراءتي لهذه الرواية إن كنت سأفعل ذلك أم لا، يبقى الأمر معلقا.

البحث عن العظام، طاهر جاووت
أول عمل روائي أقرأه للأديب والصحفي الراحل، وجدته جميلا، يشابه كثيرا في بيئته رواية “إبن الفقير” لمولود فرعون.

سمراويت، حجي جابر

كتبت عنها هنا

في أحضان الكتب، بلال فضل

كتبت عنه هنا

اليهودي الحالي، علي المقري

كتبت عنها هنا

الفكاهة اليهودية، جوزف كلازمن

قرأت هذا الكتاب بتأثير من رواية “اليهودي الحالي”، أثارني موضوع اليهود، في هذا الكتاب نموذج مختلف تماماً عن أحداث الرواية، لكن الجامع بينهما هو التفاعل بين اليهود في مجتمعاتهم الخاصة، وهو هنا يقدم ذلك الحس الفكاهي عند اليهود الذي يحاول الكاتب تقريبه منا. يتطلب الكتاب تدوينة خاصة لشرح بعض ما جاء فيه..

ما بعد الظلام، هاروكي موراكامي

أول رواية أتممها للروائي الياباني الشهير هاروكي موراكامي، أسلوب هذا الكاتب ممتع، وهو هنا يحكي ثلاث قصص تتداخل فيما بينها وتترابط، قصص اجتماعية بسيطة لكنها ذات مغزى وتقدم نوعا من التحليل بزاوية مقربة للمجتمع الياباني.

متجر المعرفة

IMG_6229.JPG

قرأت هذه المقالة عن متجر “شكسبير أند كومباني” لبيع الكتب بباريس الذي أسسه جورج ويتمان بعد الحرب العالمية الثانية، وعن بعض الذين زاروه من الكتاب وما أصبح عليه من قدسية مع الزمن كونه تشكل عن ذائقة خاصة لصاحبه في حب الكتب. قرأت كذلك عن بعض الأفلام التي ظهر فيها هذا المتجر، وكنت قد شاهدتها جميعها لكن لسبب ما لم أستطع قبلا أن أربط بين مشاهد المتجر في كل فيلم من تلك الأفلام. الفيلم الوحيد الذي أتذكر فيه لقطات عن المتجر هو فيلم “before sunset”، حيث أن “جيس”، الذي هو كاتب أمريكي يقيم فيه قراءة في روايته ومعها بيع بالتوقيع.
بالنسبة للفيلم لمن لم يشاهده قبلا، هنالك جزء أول له وجزء ثالث وهذا هو جزءه الثاني وقصته تنطوي على الكثير من الرومانسية التي تزخر بها الليالي الباريسية. والغريب أن هذا الفيلم كان على لائحة التدوينات التي سأكتبها قبل أن يقدر لي ذكره هنا، وسأحكي عنه بالتفصيل في موعد لاحق.
أما عن المتجر فإنك حين تقرأ المقالة وتقرأ عن كل أولئك العظماء من الأدباء الذين حطوا به الرحال على غرار راي برادبيري وهنري ميلر وهم قبلة القراء من جميع دول العالم بلا استثناء تتساءل غيضا حميدا، لم لا توجد لدينا متاجر مماثلة؟، متاجر لا تبيع كتبا فقط وكأنها سلعة جامدة لا روح فيها. وإنما متاجر تكون قبلة للثقافة والمثقفين والجامعيين والباحثين عما يروي ضمأهم من المعرفة. لما لا تكون لدينا متاجر تقيم ندوات للكتاب الذين ينشرون جديد أعمالهم فتنقلهم بذلك للجمهور من بابه الواسع، وتشكل جسرا يربطهم بقارئهم. وهي هنا تسوق لسلعتها وتربح من وراء ذلك الكثير.. إنه عمل بالكاد يحتاج تنظيما كبيرا أو شغلا زائدا عما هو عليه الحال حين يكون المتجر قبلة للقراء.
في الجزائر العاصمة يندر أن تجد متجرا للكتب وقد احتفى بكتاب جديد، أو كاتب مهما عظم أو صغر شأنه في عالم الكتابة. من دون ذكر انعدام الكتب الصادرة حديثاً في غالب الأحيان وما يواجهك به الباعة من استغراب أنت العاشق للكتب حين تسأل عن عناوين محددة وكأنهم يبيعون في متاجرهم تلك العدس والدقيق وليست الكتب.
أليس هذا ما يجب أن يكون عليه الأمر كي نرتقي قليلا بمستقبل هذه الصناعة في بلادنا لترتقي معها عقولنا وبالتالي واقعنا إلى مستوى أرفع. أليس هذا ما يجب أن يتحول إلى سنة حميدة رغم أنه طبيعي جدا أن تجد لك متجرا لبيع الكتب وقد قدم من هنا كتابا جديدا لصاحبه، واحتفى من هناك بكاتب شاب وآخر مثلنا في جائزة مرموقة وآخر استضاف ضيفا من ضيوف الجزائر وهم كثيرون ربطا لأواصل المعرفة وتسويقا للمحلي من الكتاب إلى خارج الحدود… لم لا؟.
شيء واحد أريد قوله في الأخير، أليس معروفا عنا أننا نستورد من الفرنسيين كل شيء يتعلق بكيفية إدارة شؤون حياتنا. أليس بالإمكان طبقا لهذه السُنة أن نستورد منهم هذه العادة في إدارة متجر للمعرفة؟.

اليهودي الحالي، علي المقري

IMG_6200.JPG

سأنطلق مما وصل إليه البعض ممن قرأ الرواية، وكتب عنها على الغودريدز. رواية اليمني علي المقري “اليهودي الحالي”، ليست أقل من كونها كانت لتكون ملحمة عمل صاحبها على تقزيمها ليقدمها لنا في 160 صفحة.
رواية مليئة بالزخم، عامرة بالأحداث المضطربة، فوضوية المشاعر مع كل ما يمكن أن يؤسس لكل ذلك، يهود ومسلمون على بقعة أرض واحدة.. اليمن خلال القرن السابع عشر. لكنها مع ذلك، يتجرعها القارئ سريعا مارا على حوادث كانت فاصلا تاريخيا في حياة اليمنيين، مسلمين ويهود وحياة المنطقة.
تنطلق الرواية من قصة حب نمت في قلب عاشقين، يهودي، ومسلمة استفتت كتب أبي حنيفة وبهاء الدين الحسن ابن عبد الله لترتبط به. علمته القراءة والكتابة بالعربية وعلمها المثل بالعبرية. ومعا تعلما الحب، الحب الممنوع، الخاطئ بين مخطئين من ملتين، لا يجمع بين مريديهما سوى الحقد والعداوة.
استعرض المقري في روايته أحداثا عايشها اليهود زمن الدولة الزيدية الشيعية التي استقل بها الإمام المتوكل اسماعيل بن القاسم عن الدولة العثمانية ومعها ما حدث من ظهور لمن اعتقد اليهود أنه المسيح مؤسس مملكتهم ومخلصهم من محنهم. ولا أعرف مع ذلك إن كان يجب أن أصف الرواية بالتاريخية، كونها كانت مجزأة لجزأين. الأول منها لفاطمة العاشقة الصوفية، وجزء ثاني وكأني بالكاتب فصل به الرواية عن الأول يتعلق بما جرى لليهود في ذلك الزمن.
رأيت أن الرواية كانت لتكون أفضل بكثير، أطول وأكثر عمقا، غير أن الكاتب سار بها مسارا مختلفا إذ هضم حق وقائع غاية في الأهمية لكل قارئ (وأنا أولهم) لا يعرف الكثير عن تلك الحقبة أو لا يعرفها بتاتا من السرد ومن هنا ربما تتجلى أهميتها.
بقي أن أضيف على أنه لولا إشارة الكاتب إلى أن أحداث روايته تجري في القرن السابع عشر لصعب إدراك ذلك بسبب غياب وصفه لطبيعة ذلك العصر من العمران والأسواق والملابس. والملاحظة الثانية هي أن كلمة “الحالي” في العنوان تعني “الجميل” باللهجة اليمنية، وهو ما لم أعرفه حتى من خلال الرواية.

في الأخير بإمكانكم الرجوع لهذه الروابط للاستزادة بالمعرفة عن الرواية وما جاءت به.

قراءة أعجبتني في الرواية على غودريدز
https://www.goodreads.com/review/sow/129847561

اعرف المزيد عن تاريخ اليهود في اليمن
http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/cf810ea1-a34f-4cf2-bc84-ca92cc4a2449

الرواية على غودريدز، مع انطباعات القراء وتقييماتهم
https://www.goodreads.com/book/show/7119000

في أحضان الكتب

IMG_6184-0.JPG

يقول بلال فضل في مقدمة كتابه الرائع الموسوم “في أحضان الكتب”، إنه من الصعب جدا الكتابة عن الكتب. ومن منطلق قوله هذا، أجد أنه من الأصعب الكتابة عن كتاب يتحدث عن الكتب.
من قراءتي لعنوان الكتاب أول مرة، ظننت أن فضل يتحدث فيه عن الكتب ككتب، عن أحداثها وما جاء فيها، أبطالها وظروف كتابتها بالنسبة للمؤلف. تماماً كما هو الحال في برنامجه التلفزيوني “عصير الكتب”. لكن الكتاب غير ذلك، إنه عبارة عن مجموعة من المقالات المختلفة للكاتب يعبر فيها عن آرائه في كثير من المجالات، كالأدب والمجتمع والسياسة. وهو في كل تلك المقالات يرشدنا إلى كتاب أو قصة أو حادثة من رواية تعبر عن الموضوع.
أكثر مقالة أسرتني من مجموع مقالات فضل، المقالة التي يتحدث فيها عن سفره لتركيا لزيارة قبر كاتبها الكبير، الساخر عزيز نيسين ومركز الأيتام الذي أسسه هناك. وتأثره الواضح بهذه الشخصية ومشوارها في عالم الأدب والسياسة والدفاع عن حقوق المظلومين، الأمر الذي جلب على نيسين ويل السلطات الحاكمة التي سجنته ونفته وضيقت عليه.
الكاتب التركي الساخر الذي لم تترجم من مجمل أعماله التي فاقت المئة إلى العربية سوى أقل من نصفها قرأها فضل كلها، وهو ما يدلل على التأثر الواضح بشخص نيسين ينتقل منه إلى القارئ في شكل رغبة بولوج عالمه السحري العجيب، أصدقكم القول أن ذلك حصل معي بشدة، رغم أني سبق وقرأت لنيسين وإن كان ذلك لم يتجاوز كتابا واحدا هو مجموعته القصصية الساخرة “ذنب كلب”.
عندما تقرأ كتاب فضل هذا، ستجد لك شغفا في القراءة لعظماء الأدب العالمي، ديستويفسكي، إيزابيل اليندي، زوسكيند، نجيب محفوظ، أورهان باموق وغيرهم الكثير الكثير.
يبقى أن أقول إن الشيء الوحيد الذي لم يعجبني من الكتاب هو مقالة للكاتب عن جماعة الاخوان المسلمين والرئيس المصري المعزول محمد مرسي يبدي فيها رأيه المعارض لسياسة هذه الجماعة. المقالة وكأنه تم حشوها حشوا في الكتاب، لست ضد أن يعبر الكاتب عن رأيه في الكتاب، ولكن المكان فقط حسب رأيي لم يكن الأنسب لذلك.
انتهى.. لا تترددوا في قراءة الكتاب
أخيرا بعدما انتهيت أول أمس من قراءة “في أحضان الكتب” و”سمراويت”، بدأت أمس في قراءة رواية “كافكا على الشاطئ” للياباني هاروكي موراكامي. وصلت لحد قراءة 130 صفحة منها، ولا أقول سوى أنها أبهرتني.. لم يتبقى لي سوى 500 صفحة وأنهيها :p ، ولكم مني عند حصول ذلك أن أكتب مراجعة عنها.

كتاب “في أحضان الكتب” على غودريدز
https://www.goodreads.com/book/show/20661079
الكاتب التركي عزيز نيسين
ar.m.wikipedia.org/wiki/عزيز_نيسين

روايتان..

1

قرأت رواية جزائرية صدرت مؤخرا، كانت في صفحات لا تزيد عن 120. كنت متشوقا لقراءتها بعدما سمعت الكثير عنها. دفعني حماسي إلى فتح الكتاب حتى قبل أن أصل إلى المقهى الذي عادة ما أقضي فيه منتصف يوم الخميس بعيدا عن ضجيج العاصمة. في الطريق إلى هناك كنت قد قرأت بعض صفحاتها، حين وصلت المقهى، جلست في أقصى ركن ورحت أنتقل من صفحة لأخرى راغبا أن تكشف لي هذه الرواية الجميلة العنوان عن روعتها.. حين أتممت قراءتها بعد ساعتين من الزمن.. وجدتني أريد أن أعيدها إلى محفظتي وكأني لم أقرأها أبدا، وكأني أريد الاحتفاظ بالصورة الأولى التي كنت أحملها عنها.. رواية تستحق أن أقرها، إنها من ضمن المشاريع الخاصة بالقراءة.

كانت الرواية من بدايتها إلى آخرها، حديث سطحي مللت من سماعه في الكثير من الروايات الجزائرية التي يظن الكاتب أنه يعرف من خلالها جميع مصائب المجتمع، العنوسة، البطالة، وخصوصا الجنس، ذلك الذي يطغى في هذه الرواية حتى ليحسب القارئ أنه يطالع الكاماسوترا. 120 صفحة أو تزيد كلها تتحدث عن أمور عادية وبسيطة بين صحفي شاب يحاول أن يعيش بحرية وفتاة محرومة من الاستمتاع بحياتها رفقة خطيبها الذي يرفض ممارسته للجنس معها قبل الزواج فتتخذ من الصحفي عشيقها الذي تحبل منه في النهاية، ومن ثم… لاشيء. انتهت الرواية وبقيت -حسب الكثير من النقد الذي طالها- مفتوحة تعبر عن رمزية العلاقات الاجتماعية… تبا.

الغريب، أو الغريب جدا، أنني اطلعت على الكثير من القراءات التي تسمى -نقدية- في الرواية، وكانت في غالبيتها قراءات تتخذ أسلوبا أكاديميا أعجز في الكثير من الاحيان عن فهمه، رغم أني مهتم بهذا المجال، أراء تمجد الرواية وصاحبها، حتى أن البعض وصفها، بالثورة في عالم الرواية الجزائرية!!. من هول ما قرأت، أشكك في سلامة قراءاتي أحيانا وأني ربما أكون ظلمت العمل. يحدث كثيرا ألا أحب رواية ما بينما تكون هناك عشرات القراءات -المتخصصة- التي تمدحها وتثني عليها حتى لكأنك تحسب نفسك تقرأ لدستويفسكي أو هيغو. لكن وبما أنني صحفي، يحدث في الكثير من الأحيان أن تصلني من البعض مثل هكذا قراءات تضخيمية في روايات قرأتها واعرف أنها لاتصل إلى ذلك الحد من الروعة التي لا أعرف من أين يستوحونها بالضبط، لا أشكك في سلامة قراءتي ومعها سلامة عقلي.
قرأت مؤخرا لسمير قسيمي، الروائي الجزائري الشاب على صفحته على الفايسبوك قوله “صدقوني، لم أعد أثق في قراءات الصحف للروايات، أتبلغ المحاباة أن تورط القراء في روايات سيئة إلى هذه الدرجة؟.. ورجاء لا يحدثني أحد أنها مسألة ذوق، لأن النص الذي لا يحتوي على الحد الأدنى لا يمكن أن نختلف فيه، ولا حكم للذوق فيه…”.

2

من حسن حظي، حظي الجميل مع الكتب، أني كنت أحمل غير هذه الرواية معي، في كيس به مجموعة من الكتب حدث وأن حصلت عليها من أحدهم ذلك اليوم، اقتنيت رواية أخرى ورحت أقرأها، منذ البداية، منذ أول حرف، شعرت وكأنها كانت هناك لتضمد جراحي التي أحدثتها الرواية السابقة، لم أتوقف عن قراءتها، عدت مشيا إلى الشوارع ووقفت قبالة البريد المركزي وأنا اقرأها بنهم حتى غصت في وقائعها. لم أكملها، رغم أني قرأت غالبية صفحاتها، ولغاية اليوم لم أفعل ذلك، على الرغم من أنه لم يتبقى لي سوى عشرون صفحة، أريدأن استمتع بتأثيرها لاطول وقت ممكن.

وانا اقرا الرواية الثانية وكانت لكاتبة جزائرية استغربت جدا كيف انني لم أطلع عليها سابقا، رغم انه حدث وان سمعت عنها كثيرا، اذ صدرت قبل عامين وفازت بجائزة عربية مرموقة. تاسفت لذلك حقا، لكن ذلك لم يمنعني من الاستمتاع بها وبكل ماجاء فيها من روعة الحكاية والسرد.

لم أخبركم بعد بعنوان الروايتين وكاتبيهما، ربما لأنني لن أفعل ذلك، أو على الأقل ليس في هذه التدوينة، الرواية الأولى لن أزعجكم بها، ستبقى طي الخيبة، أما الثانية فأقل ما تستحق تدوينة كاملة حولها.

Ps: كتبت هذه التدوينة قبل 6 أشهر ونشرت اليوم

المملكة من الداخل، روبرت ليسي

المملكة من الداخل

بدأت ليلة أمس الأول في قراءة كتاب “المملكة من الداخل” لصاحبه الكاتب والصحفي الأمريكي روبرت ليسي. اقتنيته منذ أشهر عدة من معرض الجزائر الدولي للكتاب من دون أن أفتحه، ليبقى طوال هذه المدة في أقصى ركن في الغرفة بحجمه الضخم “أزيد من 700 صفحة” لا أستطيع تناوله والغوص في ما نقله ليسي عن المملكة العربية السعودية التي يلقي عليها الضوء من خلال مؤلفه هذا.
لم أصدق قبل أن أقرأ الصفحات الأولى من الكتاب ما جاء على ظهر الغلاف من إشادات به وبالملحمة التي خطها ليسي عن المملكة السعودية من تصويره لتلك البيئة التي لا نعرف عنها سوى أنها بلد الحج ومكةقبل أن يتكشف لنا مستوى التناقض التي تحمله ونحن نتقدم في قراءته.
في أول جلسة مع الكتاب، قرأت منه حوالي 90 صفحة، ولولا النعاس الذي أطبق على جفني آخر الليل ما تركتني في شغف لأتعرف على الأحداث التي كان يسردها ليسي بأسلوب قصصي ممتع.

في آخر الفصل الخامس الذي ختمت به الجلسة الأولى من القراءة كتب ليسي خاتما إياه بالقول “أعدم آل سعود جهيمان، لكنهم جعلوا من أفكاره نهجا للدولة”. وجهيمان هذا، هو العقل المفكر لما حدث في مكة عام 1979 حينما قام مجموعة من المتطرفيين بالاستيلاء على الحرم المكي لظنهم بمجيئ المهدي المنتظر، متمثلا في أحد أصحابهم وهو محمد القحطاني صهر جهيمان، وتمكنوا من الاستيلاء على الحرم المكي لمدة 15 يوما كاملة سقط خلالها عشرات القتلى من الأمن السعودي والمتطرفين.

حادثة الحرم المكي، من بين الحوادث الكثيرة الي يلقي عليها ليسي الضوء في هذا الكتاب الرائع.. ينتقل نمنها إلى حادثة الشغب الذي حصل في منطقة القطيف شرق السعودية والتي يقطنها غالبية شيعة (بالنسبة لي لم أكن أظن أن بالسعودية شيعة)، متناولا كذلك قصة جميلة عن اعتقاد شيخ السلفية ابن باز بسطحية الكرة الأرضية فيما اعتبر آنذاك من قبل الكثير من الدعاة والعلماء مخالفا للعلم، قبل أن يتحول عن هذا الرأي بعد زيارة الأمير السعودي الشاب سلطان بن سلمان إلى الفضاء ضمن رحلة للناسا، وهو أول رائد فضاء عربي مسلم يقوم بذلك.

ليسي عمد إلى تأليف كتابه هذا بعد أن قضى في السعودية ثلاث سنوات كاملة وكان قبلها قد سبق له زيارتها وألف عنها كتابا عام 1980 عنوانه “المملكة”، قبل أن يقرر العودة عام 2006 إلى نفس المكان لتأليف كتاب جديد يتناول الأحداث في هذا البلد المعروف بتشدده وبقوانينه الغريبة والتي من بينها “عدم السماح للمرأة بسياقة السيارة” ووجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي شبه شرطة تقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد.

يوم بلا عمل

الفيل الأزرق

لحظي الذي لا أعرف لو وصفا محددا سيئا كان أو جيدا. أخذت يوم أمس عطلة من العمل لأعود الطبيب في ألم حل بي، خلافا للأيام العادية التي أستيقظ فيها على الخامسة فجرا، انتقمت من الساعات الأولى للصباح التي كنت أقضيها خلف مكتبي بأن نمت إلى قرابة الساعة العاشرة، كان نوما شريرا بحق، شعرت برغبة كبيرة في أن أكمل النوم إلى الساعة الواحدة أو الثانية ظهرا..
خرجت متثاقلا ثقل جو ذلك اليوم من المنزل. على العاشرة عادة ما تكون حركة المرور بالعاصمة بؤسا على بؤس. كان في نيتي زيارة الطبيب، وذلك أول وآخر ما كان علي فعله ثم العودة للمنزل والنوم من جديد، قضيت قرابة الساعة كاملة قبل أن أصل لوسط العاصمة، هاتفت الطبيب، لم يجبني. حدث أن تحسست جيوبي لأرى كم أحمل معي من نقود، فوجدتها أقل من ألف دينار مجتمعة، احنيت رأسي بعد أن احسست تخدرا في آخره، تبا، قلت في نفسي، نسيت تماما أن أحمل معي نقودا، والأمّر نسياني لبطاقة الهوية بالمنزل بعد أن فكرت باستخراج بعض المال من حسابي. الساعة كانت تقرب من منتصف النهار، وعيادة الطبيب تغلق الساعة الثانية، قدرت أنه ليس بإمكاني الذهاب والعودة للمنزل من جديد، فألغيت على مضض موعدي مع الطبيب وكلي حسرة على ذلك..

عندما تضع في حسبانك أمرا، من الصعب بمكان أن تتخلص منه حين لا تجري الأمور كما تشتهيها. لم تكن لي خطة (B) الجأ إليها في استغلال يومي الذي ذهب نصفه هباء الرياح، قلت التجأ إلى أقرب مقهى وأهاتف غفور، قد يكون منشغلا بكتابة موضوع ما عن سياسي تافه الآن، لكنه سيجد كيف يتخلص من قيوده ويأتي، قبل أن أغض النظر عن ذلك حينما التقيت بصديق كان يرأس تحرير الجريدة التي كنت أعمل بها بعد أن شارك في وقفة منددة بالعهدة الرابعة لبوتفليقة أمام ساحة البريد المركزي، هذه الساحة التي اصبحت في الايام الأخيرة ساخنة سخونة الجو السياسي، التقيته برفقة شابين آخرين، أحدهما كان من لجنة الدفاع عن حقوق البطالين راح يمطرني بعد أن التمس اهتمامي بحديثه (والحق أني لم أكن أفعل ذلك إلا لأنني أردت تجنب خوض نقاش في السياسة) بمحاضرة سياسية عن الحقوق الاجتماعية وخزعبلات السياسيين وترهاتهم، من دون أن يتوقف عن الكلام عن التوفيق وبوتفليقة وأشكال سياسية مقيتة، الأمر الذي أرهق مسامعي بما لا أريد سماعه أبدا. غمزت صديقي الذي كان على وشك أن يتركهما يرحلان قبل أن يفعل ذلك بسرعة، ورحت وإياه نقلب حديث السياسة إلى الحديث عن المثيرات من الفتيات اللواتي غزين في ذلك النهار شارع حسيبة..

من غرائب الصدف أن التقيت بصديقين آخرين في ذلك الوقت ونحن على عتبة مقهانا المعتاد بساحة موريتانيا، لم أرهما منذ مدة، شغلنا نحن الأربعة طاولة في أحد الأركان وغرقنا في مواضيع عن النساء والصحافة والمال والأعمال والبؤس وقليل قليل من السياسة، قبل أن نفترق بعد حوالي ساعتين من الزمن…
مساء قرابة الساعة الثالثة نزلت إلى المسرح الوطني لأحضر لقاء صدى الاأقلام الأسبوعي الذي يعنى بالأدب، دخلت متأخرا عن موعد الفضاء بساعة، أول ما التقيت هناك بصديقي عبد الرزاق بوكبة، المشرف على الفضاء، جلست استمع للميس سعيدي الشاعرة الجميلة التي نزلت ضيفة لتحكي بعضا من ديوانها الجديد، قبل أن تحل الشاعرة فاطمة شعلال، تلك المرأة صاحبة الاحساس المرهف التي من غرابة الصدف أني لم أن تعرفت عليها قبل ذلك إلا بوقت قصير حينما أشادت بها إحداهن على الفايسبوك. بالنسبة لي كنت أجهل عالمها الإبداعي جهلي بالكثير من المبدعات الجزائريات. ابتسمت في داخلي أن واتتني فرصة أن ألاقيها ها هنا بعد أن رغبت في ذلك يوم أن تعرفت على أشعارها.. اتصال صديقتي إلهام التي كنت واعدتها على اللقاء جعل أمنيتي تتأجل لموعد لاحق، انسحبت من عالم الشعر تاركا فاطمة شعلال التي كانت بدأت بالحديث عن تجربتها تحكيها للحضور القليل من دوني.. انسحبت بخفة لألاقي الهام في ساحة بورسعيد وبيدها كيس به مجموعة من الكتب كنت قد طلبت منها أن تحضرها لي.. واحد منها رواية الفيل الأزرق لأحمد مراد والتي أتممت منها في أول جلسة 70 صفحة وهي الرواية التي دخلت قائمة البوكر القصيرة لأفضل الروايات العربية..
كان لقائي بالهام الثاني أو الثالث، لم نلتق هكذا سابقا مع معرفة، كان لقاؤنا الأول بمعرض الكتاب، الهام كانت بائعة بدار العين المصرية، وحدث أن زرت الدار لاقتناء كتاب “ضغط الكتابة وسكرها” لأمير تاج السر، والثاني لقاؤنا بالمسرح والثالث كذلك.
من الجميل أن يكون لك أصدقاء يقرأون وأجمل ما في الأمر هو أن تستعير منهم بعض الكتب التي لا توجد بمكتباتنا، هذا إن كان في مكتباتنا كتب بالأصل!!.  إلهام أعارتني أربعة كتب، رواية “الفيل الأزرق” لأحمد مراد، رواية “كل الأحلام تنتهي في ديسمبر” للكاتبة السعودية الشابة أثير النشمي، وروايتان أخريتان، وأنا أكتب هذا التدوينة أنسى حقا عنوانيهما.

لم التق بغفورن كان علي أن أعود إلى البيت، فتحت الفيل الأزرق حينما استقريت على كرسي شاغر بالحافلة وغصت فيها عميقا..

من أشعار فاطمة شعلال/

 «أحاول أن أنفض عن أثاث العمر غبار التردد
أرش المدى بالحلم
فقد يزهر الوعد
أنتظر
أنتظر
أنتظر
لعل دفئا يشع
فيلبسني البرد
أناغي وهما
أوله في أصبعي
وآخره لا يبدو
أركض ألاحقه
فيهمس لي الوقت
“الوقت لم يحن بعد”
ياه،، أضرب كفا بكف
لم يخطط الوغد؟
وقد صار في الرأس بياض
وعلى الوجنتين تصدع
وقد ذبل النهد؟؟»

 

باولا، العربي.. وطنجرة الفنون المعاصرة

لا أريد أن أغيب عن ها هنا طويلا، الأمر ليس بغاية الصعوبة، لكني اعتدت التكاسل عن التدوين، وهي العادة التي أحاول فعلا أن أقلع عنها. لقد حدثت أمور كثيرة في الأيام الأخيرة تستحق أن أحكي عنها، أو على الأقل أكتب عنها مجتمعة باختصار. أمور في العمل، في نشاطي الثقافي، وحتى العاطفي.. تبا، هل قلت العاطفي؟؟. نعم فعلت ذلك، لا تستغربوا!!.

من عادتي أن أمل بسرعة تفوق سرعة حماسي لشيء معين، خصوصا في ما تعلق بالعلاقات العاطفية مع الجنس الآخر، أشتهي دوما من منظاري الغريب أن أبحث عن تناسق بين تصوري للأنثى التي في رأسي والأنثى التي هي واقع حقيقي ألتقيه وأمارس معه علاقة ما. وربما  ذلك ما يدخلني دوما في متاهة أن أبقى متخيلا للآخر من دون الإقدام على المخاطرة بمقارنته بما أحمله عنه في خيالي ، الأمر الذي يقودني إلى أن أرضى بواقع أن تكون هناك علاقات عاطفية غير سوية لا أبتغي منها شيئا سوى غريزة الرجل تجاه المرأة !.
ماذا إذن عن الحالة العاطفية الجديدة؟؟. تلك سأتركها للأيام، تلك وحدها التي تحكم عليها وتفصل فيها وقد تظطرني مرغما بأن أفرغ ما جوفي على هذه الصفحة.
أما عن ما حصل معي هذا الأسبوع، بالطبع غير الملل الذي يصيبني أثناء العمل في الجريدة صباحا، هي هواياتي التي أدمنها يوميا، القراءة والقراءة ومشاهدة المزيد والمزيد من الأفلام.

شاهدت خلال هذا الأسبوع  الكثير من الأفلام،  سواء على التلفزيون وبالضبط على قناتي المفضلة mbc max، أو على الأنترنت. لا أعرف عما سأتحدث بالضبط، لكني سأكتب باختصار عن فيلم شاهدته أمس، كنت سبق وشاهدت جزءا منه لكني لم أكمله. البارحة فعلت ذلك. سأترك الكتابة عن الأفلام الأخرى التي شاهدتها والتي أثرت في إلى مرات قادمة لأحكي عنها بشكل مطول كونها تستحق تدوينات خاصة.

Source Code
الفيلم المعني عنوانه “”source code أو “شيفرة المصدر”، وهو فيلم خيالي، بفكرة خيالية رائعة لطالما شغلتني، أكيد أنها خطرت على بال الكثيرين، كما خطرت على العلم  الحديث كذلك الذي يسعى إلى الاستدلال عليها رغما أنها منطقيا بعيدة عن التحقيق. والفكرة ببساطة هي إمكانية تغيير الزمن من خلال معنى “الكون الموازي”.
الفيلم المنتج عام 2011 قام ببطولته الممثل الشاب جاك غيلينهال، الذي لعب دور البطولة في عدة أفلام أخرى رائعة. ترتكز فكرته الأساسية على اعتماد مركز أبحاث أمريكي على تقنية جديدة تدعى “شيفرة المصدر” لإنقاذ مدينة شيكاجو من هجوم نووي محتمل بعد انفجار قطار، وتخضع التقنية الجديدة المدعو كولتير ستيفنز، وهو مجند سابق متوفي يجد نفسه فجأة حبيس مكان معين تتواصل معه فتاة تخضعه لتجربة ركوب القطار المنفجر في جسد رجل آخر  لمدة  7 دقائق بهدف اكتشاف القنبلة. يتم ذلك عن طريق استغلال دماغه -رغم أنه متوفي- إلى أن الدماغ علميا يبقى حيويا لمدة 7 دقائق بعد الوفاة. وهكذا يكتشف ستيفنز القنبلة ومنه اكتشاف صاحبها. وعلى الرغم من أن التجربة تنجح إلى أن تقنية شيفرة المصدر، كما يتبين بعد ذلك تصبح تقنية ثورية لعملها على فكرة “الكون الموازي” وتغيير الزمن، والتي يقصد بها وجود أكوان أخرى وأزمان أخرى غير الزمن الذي نعيش فيه. هذه الفكرة يشرحها فيلم آخر شهير عنوانه “the one” قام ببطولته الممثل الشهير جيت لي..  على كل الفيلم رائع، ليس بأفكاره فقط بل حتى في أداء ممثليه.

بالعودة إلى بطل الفيلم جاك غلينهال، كان أول فيلم له شاهدته هو  “october sky “، وهو فيلم رائع مستوحى من قصة حقيقية لفتى يريد أن يصبح رائد فضاء. مجسدا فيه شخصية هومر هيكام.

كتاب..

لا أريد أن أحكي عن آخر رواية قرأتها، بل هما روايتان قرأتهما معا، كانت متناقضتين، إحداهما جد سيئة والأخرى جد رائعة. سأمنحهما -أو إحداهما– موضوعا خاصا.
رواية أخرى
كذلك أنهيت قراءتها مؤخرا كانت لايزابيل الليندي، الكاتبة التشيلية. بعنوان “باولا”، الرواية كنت اقتنيتها للصديقة رشا من معرض الكتاب، ولأني لم أسلمها مقتنياتها من الكتب بعد استغليت ذلك في  قراءتها 🙂 . لا أعرف ماذا يمكنني أن أقول عن هذه الرواية، لا أريد أن أضيع على رشا متعة قراءتها، لن أسرد قصتها أو رأيي فيها، بل سأقول فقط أن ايزابيل الليندي، التي أقرأ لها ثاني عمل -الغريب أن أول عمل قرأته لها كان كتاب لرشا كذلك- هي روائية تسرد حكاياتها بتفصيل دقيق غير ممل، أسلوبها رائع يدفع القارء للعيش مع كاتبته يومياتها ربما السخيفة، لكنها ليست مملة بالتأكيد، أوهذا ما أظنه على الأقل. بعد أن تقرأ رشا الرواية سيكون لي حديث عنها بالتأكيد.

فنون..
حضرت افتتاح المعرض الدولي للفن المعاصر بداية الأسبوع، جاء المعرض بمشاركة عدة دول على غرار الكويت، كانت هناك صور وتماثيل ومجسمات عن فنون معاصرة، لا أظن أن أيا منها أثار اهتمامي فعلا.. إلا شيئين اثنين، أولهما كان صور موضوعة داخل إطارات زجاجية جميلة لنسخ من مجلة العربي الكويتية الشهيرة، التقطت لنفسي صورة مع إحدى تلك الإطارات، بالنسبة لشخص مثلي يعشق العربي، لم أمر مرور الكرام على تلك الصور الفنية المأخوذة لها والموضوعة في إطارات جميلة مضاءة بضوء خافت، تمعنت فيها طويلا، وسعدت لوجودها، وكدت ألغي بسببها -أو أنني فعلت ذلك حقا-، جميع التعابير الفنية الأخرى. مجلة العربي عبرت بشكل ما عن حضور الكويت، وكأنها هوية ما، أليس ذلك جميلا؟؟، أن تصل مجلة شهرية لأن تصبح هوية دولة ما.
مجلة العربي

الأمر الثاني الذي أثار انتباهي، وقد كتبت عنه على حسابي على الفايسبوك، هو فنان تونسي ارتدى طنجرة فوق رأسه واستعمل غطاءها كدرع،  تماما كما يستعمله المحاربون، طبعا لم يكن هدفه من الشكل الذي اتخذه سوى التعبير عن فكرة ما تتعلق ببلاده تونس، عندما رايته، وقد كانت معي صديقة صحفية، ضحكنا كثيرا ظنا منا أنه يسخر من الوزير الأول الذي نال لقب “مول المرميطة” بامتياز، لكن الأمر لم يكن كذلك.
الفنان التونسي أراد أن ينقل فكرة عن الثورة التونسية والفن في تونس بعد الثورة، مثل التعبير عن لجان حماية الثورة الذين كانوا يقومون بحماية الأحياء خلال ثورة ربيع تونس، والذين كانوا يستعملون في ذلك أدوات منزلية وغيرها، بالإضافة إلى تعبيره عن استمرارية الثورة ومطالبته النظام الجديد بالاهتمام بالفن وفتح معرض للفن المعاصر.

فنون معاصرة

ولسن الذي فقدته!

كولن ولسن

عدت لقائمة مفضلاتي على موقع bookmarks2  لعلني أجد شيئا مثيرا أطلع عليه بعدما مللت من البحث عن شيء مفيد في النت، كانت هناك الكثير من المواد الالكترونية، روابط لمقالات وفيديوهات ومواقع الكترونية متعددة، بعض من تلك المواد التي أثارت اهتمامي وجدتها قد اختفت، مواقع الكترونية توقفت ولا يوجد لها أرشيف، ومواد أخرى حذفت ربما أو حولت من موقعها الأصلي. وجدتني لفترة مشغولا بتلك المواد التي لم أعثر عليها، من بينها مقالة جميلة أتذكر أني قرأتها حول الكاتب الإنجليزي كولن ولسن صاحب كتاب اللامنتمي في موقع knol الخدمة التي كانت يوفرها غوغل لكتابة المقالات والشبيهة بموسوعة ويكيبيديا قبل أن يقوم بغلقها بعد أن لم تحقق المراد من وجودها. ما بقي في رأسي من تلك المقالة التي إن لم تخيبني ذاكرتي كانت مترجمة هو حديثها عن ولسن انطلاقا من الربط بين ولسن الكاتب العظيم الذي لطالما شغل النقاد والمفكرين وكانت له معهم عداوات كثيرة وولسن الإنسان الذي تشكل من بساطته ذلك الكاتب الفذ.

لم أقرأ لكولن ولسن سوى كتابين اثنين، أولهما كان كتابا جميلا عن الغريزة الجنسية عند الإنسان عنوانه “أصول الدافع الجنسي” صدر عام 1963، قرأته وأنا بعد صغير، ووصل إلى يدي بعد أن أخذته من صديق مع مجموعة أخرى من الكتب عثر عليها بإحدى المزابل. ما أذكره عن ذلك الكتاب الذي كنت أخفيه في مكان لا تستطيع أي يد أن تصل إليه لتتصفحه هو احتواءه على الكثير من التفسيرات الغريبة للرغبة الجنسية عند البشر، مع روايات لحالات جنسية في الغالب شهدها المجتمع الأوروبي خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، والذي كان على ما يبدو محافظا ويقمع أي محاولة للتحرر الجسدي ما جعل مكبوتات البعض تتفجر في ظواهر غريبة وأنت تقرأ عنها تحس بالإنفعال ويأسرك ولسن بقدرته على بلوغ الشعور الإنساني العميق الذي يطفو كلما تم فتح حديث عن “الجنس”.

الكتاب الثاني الذي قرأته لهذا المفكر والروائي الذي جلب له كره أقرنائه من الكتاب والصحفيين والنقاد مع أول كتاب نشره قبل أزيد من نصف قرن من الآن، كان هو الآخر كتابا رائعا عالج فيه ولسن عملية الإبداع الروائي، أتى بعنوان “فن الرواية“، واحتوى تحليلات للفن الروائي خصوصا الأوروبي منه وازدهاره في القرن السادس والسابع عشر بأوروبا مع الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو وروايته “الويز الجديدة” وغيره من كتاب عصر النهضة، وكذا تحليلات وقراءات في الكثير من الروايات العظيمة والروائيين العالميين الكبار. وكان أكثر ما أفادني به هذا الكتاب، هو كونه أمدني بسبب حقيقي أو ربما مقنع للفائدة المرجوة من وراء قراءة الروايات أو من الروايات في حد ذاتها. كنت حين بدأت في قراءة الكتاب مولعا بالروايات الكلاسيكية وقارئا شرها لأعمال روائيين أوروبيين عثرت على أعمالهم في رفوف قديمة بإحدى دور الشباب بالمدينة التي كنت اقطن بها. ولم أكن مقتنعا بالجدوى من قراءة كل تلك الأعمال على الرغم من أني كنت أقبل عليها بشراهة لاقيا في ذلك إشباع لجوع داخلي، لكن مع سؤال بسيط ضل يشغلني كثيرا وهو ما إن كان لكل تلك الكتب من قيمة حقيقية كونها كانت مجرد قصص من نسج خيال أصحابها!؟. مع كولن ولسن في عمله هذا تخصلت من ذلك السؤال بإجابات مقنعة قدمها الكاتب كنت أميل إليها ولكن بشكوك. بعد قراءتي للكتاب أهديته في أول مسابقة عملنا عليها في مدونة “قرأت لك” قبل عامين من الآن لعل وعسى يستفيد منه قارئ آخر، لكني بالتأكيد سأعمد على اقتناء نسخة أخرى من الكتاب والاحتفاظ به كونه يمثل قيمة حقيقية على كل مكتبة أن تحتويه.

الكتاب الأشهر لولسن “اللامنتمي” والذي نشره حين بلوغه سن الخامسة والعشرين كأول أعماله المطبوعة لم أقرأه، لطالما رغبت بفعل ذلك، لكني لم أصادف نسخة ورقية للكتاب لحد الآن، وعجزت عن قراءة الكتاب بصيغة الكترونية. لكني حتما يجب أن أقرأه في يوم ما، كما سأحاول البحث عن الكتب والروايات الأخرى للفتى الغاضب الذي شغله وجوده في هذا الكون في سن مبكرة فانطبع ذلك على إبداعاته في الكتابة.

المقالة التي فقدتها، حاولت كثيرا أن ابحث عنها لكن بدون جدوى، اختفت وفقط ولم يبقى منها في ذاكرتي سوى تلك الصورة الجميلة التي أتمنى أن لا تنمحى حتى أتدلل بها أكثر على ولسن وعالمه الغريب.

 

قراءة وكتابة في ليلة باردة

في غمرة الوحدة التي تنساب مع البرد في هذه الليالي الشتوية، كل ما أريده وبشدة هو أن أقرا وأقرا وأقرا، لدي زاد من الكتب يكفيني إلى نهاية فصل الشتاء، عشرات الروايات التي تنتظرني صفحاتها كي أنشغل بها مع كتب أخرى في السياسة والفكر وغيرها.

أنغمس في قراءة رواية “باولا” لإيزابيل الليندي، أقرا باشتهاء كل حرف تكتبه تلك الرائعة التشيلية التي تبرع جيدا في غرس قرائها في عالمها الواسع الذي يتشعب كلما استسلمنا للذة الحكايا التي ترويها على مسامعنا. بعد كل ذلك، وبعد أن ينالني نوع من الخدر في عيني أتحمس للكتابة، لا أعرف لم كلما قرأت شيئا تطالني معه رغبة خفية في الكتابة؟ !. ليس هناك شيء معين أرغب في الكتابة عنه، فقط رغبة خفية تحدوني لأرفع قلمي وأخط شيئا ما على الورق، قد يصبح الأمر عبثيا حين لا يكون هناك شيء ما نفكر في كتابته، فتتحول تلك الرغبة إلى رموز غريبة أخطها على الأوراق، وأحيانا تكون تلك الرسومات بلا معنى واضح، ولأنني لست بارعا في الرسم، يشعرني ما أخطه على الأوراق بخيبة أمل في رغبتي بالكتابة. وأحيان أخرى، على صفحة الوورد على الكمبيوتر أرسم بعض الحروف اللامتناسقة، أحاول بشدة أن أعبر عن الحماسة في داخلي بكتابة شيء له معنى، لكنني أفشل في ذلك. أكتب سطرا أو سطرين وأحيانا فقرة كاملة لكنني سرعان ما أضغط على زر الحذف حتى تروح الحروف يختفي الواحد منها تلو الآخر، وأعود مجددا إلى إيزابيل معلنا فشلي ربما من إبداع شيء شبيه ببعض ما كتبته، متأكد من أن الكاتب دوما ما يؤثر أسلوبه الكتابي في القارئ، وهذا ما تفعله معي الروايات فأحاول تقليد كتابها في إبداعاتهم، وهو سبب فشلي في أن أبدع في كتابة شيء ما.

بالعودة إلى الرغبة في القراءة، تحكمني عادة غريبة لم أستطع التخلص منها وهي قراءة عدة كتب في نفس الوقت، الآن مثلا، بين يدي رواية “باولا” لإيزابيل الليندي والتي قرأت نصفها وكتاب “ضغط الكتابة وسكرها” للكاتب السوداني أمير تاج السر، وكذا كتاب مترجم عن المملكة العربية السعودية اسمه “المملكة من الداخل” لمؤلفه روبرت لاسي (هذا الكتاب لا أعرف حتى لم اقتنيته، سأكتب تدوينة عن كيف أثر  تسويقه على الانترنت في حتى اشتريته)، هذه الكتب الثلاث أتداول على قراءتها بشكل شبه يومي على الرغم من أن العمل يأخذ مني كل وقتي وما تبقى من وقت يذهب للراحة أو للنوم. لكن رغم ذلك أشتهي أن افتح كتابا وأقرا منه حتى أشعر برغبة في الغوص فيه عميقا. أعترف أن هذه العادة ليست جيدة إذ أنني أفقد تركيزي ما بين الكتب الثلاثة، ولا يتعلق الأمر حين قراءتي لهذه الكتب في نفس الوقت بالاستفادة منها بقدر ما يكون الأمر مجرد رغبة في إشباع جوع داخلي، شره القراءة ربما، قرأت مرة عن مرض يصاب به الكثيرون ممن لديهم رغبة كبيرة في القراءة، وكأن القراءة تصبح عند أولئك كالأكل عند من هم مصابون بشره الأكل.

بخصوص الكتابة، على الرغم من أنني أكتب يوميا ما يفوق الخمسمائة كلمة في مختلف المواضيع الصحفية التي أكتبها، إلا أنني في غير المواضيع الصحفية لا أرضى عن نفسي، بل حتى في الكثير من المواضيع الصحفية التي أكتبها لا أفعل ذلك، لا اعرف السبب.. بعض من هم حولي ويحتكون بي يثنون على كتاباتي ويقولون أنها رائعة، لكن في داخلي أشعر برغبة في حذف كل أكتبه بعد مرور وقت قصير على كتابته، هذا الإحساس بالنسبة لي يشبه تفسير إحدى قبائل الحضارات القديمة للزمن الذي حسبها يتكون من الماضي وفقط، “الحاضر” عندها لا نعيشه لأنه يتحول في رمشة عين إلى ماضي، هي كذلك بالنسبة لي كتاباتي تصبح في رمشة عين، كتابات ناقصة لا تصل إلى حد أن أرضى عنها بأن تبقى بعض الوقت “حاضرا” أو ترتقي لأن تصبح “مستقبلا” ربما لدى تلك القبائل، والذي هو غير موجود طبعا.

ورغم أني أخط الحروف ها هنا بصعوبة، من دون رضاي التام عنها، أحاول جاهدا بقدر رغبتي الكبيرة في القراءة وممارستها فضلا عن ذلك أن اكتب وأنا ارغب في ذلك أيضا، لا أنكر أن إيزابيل الليندي ألهمتني.. تلك المرأة القصيرة التي تتحدث عن كل شيء، عن تفاصيل يومية عاشتها ماضيا، وبعضها التي تجاوزت عمرها. أريد كذلك أن اكتب عن تفاصيل صغيرة عايشتها وأعايشها فقط لأحس قليلا بوجودي.. أليست الكتابة في الأخير دعوة للخلود؟.

في الأخير، سعيد لأني كتبت شيئا، سعادة ربما غير مكتملة لأن ما كتبته لا يرضيني بالكامل، لكن من جهة أخرى بعض السعادة تكمن في قدرتي بشكل ما على تجاوز الحاجز الذي كان بيني وبين الكتابة.