بداية، ما أثار فضولي في رواية الإريتري حجي جابر التي عنوانها “سمراويت” هو الإنسان المدعو محمود الإريتري الوحيد الذي عرفته في حياتي وإن كان عن بعد، عرفته كصحفي كاتبا في الشأن الثقافي في إحدى الصحف الجزائرية وطالبا في تخصص الأدب العربي بالجامعة إن لم تخني ذاكرتي. تطابق محمود هذا مع صديق الراوي بالرواية بالإسم هو المدعو محمود كذلك، وعمل كليهما في قطاع الصحافة والعيش بالسعودية واكتناز الجسم حتى.. وددت فقط إشباعا للفضول لو أسأل محمود الذي أعرفه ولا يعرفني إن كان هو المقصود بمحمود في الرواية؟!.
غير محمود، “سمراويت” حجي جابر أحببتها قبل أن أقرأها، وقد أجلت فعل ذلك لأشهر عدة قبل أن اغترفها أمس في جرعة واحدة مع عدد صفحاتها الذي يقارب المئتين. رواية عن الهوية والاغتراب والبعد تلخص واقعا يعيشه الآلاف من التائهين بين موطن الأجداد وموطن النشوء، وما بينهما نوازع لكليهما دون الظفر بالهناء في كنف أحدهما. يلخص ذلك بطل الرواية بقوله: ” في السعودية لم أعش سعودياً خالصًا، ولا إريترياً خالصاً، كنت شيئًا بينهما”.
بعد أن قرأتها سبرت أغوار حضارة أخرى وثقافة أخرى بمنظار مقرب، بسيطة بلغتها عميقة بمدلولها، شجن يكتنف الراوي بين سعادة غامرة لأرضه الأولى وحزن خفي عليها وعليه.
يصطنع الراوي لحكايته زمنين، يبدأ الأول بنزوله في مطار أسمرة الدولي عاصمة ارتيريا زائرا إياها أول مرة، والثاني ما عاشه في جدة، بلاده الثانية، منشأه الأول. باريتيريا حيث يقرر أن يزور بيت أجداده يحظى بأن يعثر له على رفيق عمره “سمراويت” الفتاة المرحة، ابنة باريس بالتبني والتي تبعد عنه شبح الوحدة في بلاد سكنها في مخيلته بيد أن أقدامه لم تطأها قبلا.
عنوان الرواية “سمراويت”، الذي جاء على اسم حبيبته، أحب أن أتخيله جاء على معنى ارتيريا نفسها. سمراويت الأنثى لم تكن روح الرواية ولا شغف حبها الراوي، بقدر ما كانت ثورة الإيريتيريين على المستعمر الإثيوبي وقبله الإيطالي، بقدر ما كانت الأحاديث السياسية الساخنة بين الشعبيين والمعارضين والتحريريين.. المباني الإيطالية الطراز وسط أسمرة ومعها المعمار التركي الذي يحكي كثيرا قصة أخرى من قصص المدينة.. قهوة “الجبنة” الشهيرة.. كاتب ارتيريا وثائرها الكبير “محمد سعيد ناود”، أو مطربها إدريس محمد علي… كل هؤلاء سمراويت، إرتيريا العتيقة.
اعترف أن هذه الرواية أحرجتني بجهلي المطبق عن اريتيريا، هذا البلد الذي ما كنت أعرف أن 75 % من سكانه عرب يدينون بالإسلام، وبتاريخه الكبير مع الاسلام الذي ابتدأ بنزول صحابة رسول الله رضوان الله عليهم بمنطقة رأس مدر في طريقهم إلى النجاشي ملك الحبشة. ثم هل يعرف أحدكم أن الشاعر الروسي الكبير بوشكين هو من أصل ارتيري ؟!. وهل يعرف أحد أن جبهة التحرير الإريترية التي أسست لمقاومة الاستعمار الإثيوبي سميت تيمنا بجبهة التحرير الجزائرية؟.
يذكر أن الرواية فازت بجائزة الشارقة للابداع 2012.
شكرًا لحجي جابر على هذه الرواية.. بدأت أنسج في رأسي أسئلة أود طرحها عليه، وليس من بينها أمر محمود، لأن فضولي سيقودني للبحث بسرعة عن التشابه العجيب بين المحمودين أو إن كان الأمر بالفعل محمودا واحدا.
بقي أن أنصحكم بقراءتها، وهذا الرابط لمن يود قراءتها من النت، ولا تقلقوا من حقوق الملكية، حجي جابر نفسه هو من أوصى بذلك.
الرواية على غودريدز
https://www.goodreads.com/book/show/15714709
استزد بمعرفة المزيد عن ارتيريا
http://ar.m.wikipedia.org/wiki/إريتريا
الكاتب والسياسي محمد سعيد ناود
http://ar.m.wikipedia.org/wiki/محمد_سعيد_ناود
شهادة في حق ناود
http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=229352&r=0
التنبيهات: عداد القراءة لشهر سبتمبر | قرأت لك
التنبيهات: عداد القراءة لشهر سبتمبر | خَرْبشة