العالم في بيضة

بيضة المحيط الحيوي

قبل سنوات من الآن.. على باب صدأ لكشك في مدينة شبه صحراوية،  كانت تعلق كل شهر مجلة موجهة للأطفال، أفترض أن لا أحد كانت تمتد يده إليها لشرائها – وهو ربما السبب الذي يفسر غيابها بعد ذلك-، مكتوب عليها عنوان بالبنط الأحمر العريض “مجلة العربي الصغير”.
ولأني مذ ولدت أذكرني طويلا، إذ لم يحدث إلا في مرات نادرة أن رفعت رأسي للأعلى للحديث مع أحدهم، كنت ألتقط المجلة بكل سهولة ويسر من دون مساعدة من أحد لأدخل على صاحب الكشك ذي البشرة السمراء الذي لم أره يوما بلا قبعة رياضية على رأسه، وأدفع حسابها وأخرج مزهوا بها. كان سعرها يقدر بـ60 دينارا، وكنت لمدة تتراوح ما بين 20 و30 دقيقة استمتع بكل ما كان يجيء فيها من معلومات، صور رسومات وغيرها من المواضيع الجميلة التي لم أكن قرأت عنها من قبل، في غالبيتها مواضيع ثقافة عامة وقصص لاكتشافات، المجلة التي كانت تأتي متأخرة عن موعد صدورها بأكثر من شهر التزمت بشرائها لأشهر قبل أن أعثر على شقيقتها الكبرى “العربي” التي لم أكن أحسب لها قبل ذلك وجودا .
في عدد شهر مارس قبل تسع سنوات من الآن، التقطت نسخة من مجلة العربي الصغير، ورحت أقلب صفحاتها الواحدة تلو الأخرى مطلعا على المواضيع المنشورة آنذاك، من إحدى تلك المواضيع التي أثارت اهتمامي ولا يزال يفعل إلى اليوم موضوع بسيط عن بيضة غريبة الشكل. البيضة التي لم أكن قبل ذلك رأيتها ولا سمعت عنها أبدا، ولم أبحث عن سرها إلا بعد سنوات من ذلك الزمان، كانت بيضة تسمى “بيضة المحيط الحيوي”، وتذكرتها فقط حين دخلت اليوم لموقع مجلة العربي ووقعت عيناي على مجلة العربي الصغير التي أعادتني بذاكرتي إلى أيام جمعتني وإياها.

الموضوع الذي قرأته في ذلك الوقت عن تلك البيضة بقي راسخا في ذاكرتي، لا أعرف لم فعل ذلك؟ !، ربما لأنني لم أتوصل إلى طريقة أعرف بها المزيد عن تلك البيضة العجيبة في غياب الأنترنت حينها.
خلال بحث بسيط في أرشيف العربي الصغير عثرت على ذلك العدد وعلى الموضوع الذي شغلني طويلا حتى بعد أن كبرت، والذي لم يكن سوى موضوعا قصيرا لقارئة تتساءل عن السر في بيضة أرسلها إليها قريبها من أمريكا قال عنها أنها تجمع العالم بداخلها. ولأن رد العربي الصغير على الاستفسار كان صغيرا كذلك، دفعني الفضول إلى البحث أكثر عن الأمر، أيعقل أن تكون هناك بيضة تجمع العالم بداخلها؟!. حسنا لم يكن جمع العالم بالمعنى اللغوي للكلمة، بقدر ما يعني ذلك وضع بيئة مناسبة لحياة في وسط معين، وعلى هذا كانت البيضة.
للأسف البحث باللغة العربية عن “بيضة المحيط الحيوي” وهو المصطلح الذي أعطي لبيضتنا هذه، في موقع غوغل لن يوصلنا سوى إلى معلومات مليونية عن بيض الدجاج!، إذن فالأفضل البحث باللغة الانجليزية عن “egg biosphere” والذي سيقودنا إلى مواضيع تتحدث عن بيضة غريبة الشكل زجاجية شفافة تحوي بداخلها مياه مالحة وهواء ونباتات وحيوانات القريدس، لتشكل بذلك بيئة متكاملة للعيش مكتفية ذاتيا من دون تدخل خارجي.

البيضة العجيبة يكفي تعريضها للضوء لمدة ست ساعات يوميا حتى تحقق الكائنات بداخلها نموها العادي لمدة خمس سنوات كاملة. خلال بحثي عن الموضوع في النت وجدت رابطا قادني إلى موقع أمازون أين هناك نموذج يباع لهذه البيضة لقاء 65 دولارا.

اليوم ربما وأنا أكتب هذه التدوينة عن هذا الموضوع أكون قد وفيت بوعدي الذي قطعته على طفولتي ذلك الوقت بأن لا يبقى موضوع البيضة شائكا لدي، غير ذلك، هل لاحظتم معي كيف أن بعض الملاحظات التي نكبر عليها تبقى لصيقة بنا حتى وإن لم تكن تعني الشيء الكثير، ملاحظات نستدل بها على فترات معينة من حياتنا وربما حين نسترجعها نسترجع معها أحاسيسنا التي طبعتنا خلال تلك اللحظات؟. يبدو الأمر مثيرا بعض الشيء، يقودنا ربما للحديث عن أمر آخر خاص باللاشعور الذي يرقد عميقا في عقولنا.
أما عن مجلة العربي الصغير، تلك التحفة الفنية التي لازالت تصر على أن تبقى مصدرا للمعرفة والثقافة، كانت لي معها ذكريات جميلة ومن خلالها تعرفت على الكثير من خفايا هذا العالم المدهش. أتساءل إن كان حدث ذلك مع أحدكم ؟؟.

1 thought on “العالم في بيضة

  1. يعطيكم العافيه هذا السؤال كان عليه 5 درجات وماقصرتوا

شاركنا رأيك

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s