ركوب دراجة وطبخ

من الأشياء التي لطالما رغبت في تعلمها ولم أفلح في ذلك لحد الآن (ولا تسألوني عن السبب) ركوب الدراجة والطبخ، حسنا ربما تقولون أن الطبخ يحتاج بعض الوقت، لكن ركوب الدراجة غريب، أليس كذلك؟!)، هناك آلاف الأشياء من حولنا تلك التي نستطيع أن نبلورها في أشياء جديدة فيصبح لدينا مكون مادي جديد في الكون. لكن الكثير منا لا يدركون أهمية أن يتفاعلوا مع المادة من حولهم. أتذكر عندما كنت صغيرا، كنا لنلعب مباراة في كرة القدم كان علينا صنع كرة من مجموعة من المكونات البلاستيكية، وكنا كل مرة نبدع كرة جديدة بأشكال مختلفة، أتذكر مثلا أننا كنا نلعب لعبة الحرب بين فريقين وكنا نصنع الأسلحة من مكونات بسيطة كالخشب و الأسلاك وغيرها، حتى السيارات والشاحنات التي كنا نلعب بها ونحن صغار كنا نصنعها بأيدينا ونتفنن في ذلك ونتنافس فيما بيننا البين عن أحسن سيارة، زيادة على أننا كنا مثلا نخيط أحذيتنا بأيدينا إن تلفت أو حقائبنا. أما اليوم فأمور كثيرة تغيرت وصار الزمن بين الماضي القريب والحاضر مختلفا، كل شيء أصبح جاهزا ويقدم على طبق، الألعاب أصبحنا نحصل عليها بمختلف الأشكال والأوصاف، الحاجيات الأخرى متعددة ولا داعي كي يتعب الإنسان نفسه في صنعها إو إعادة إصلاحها في حال التلف.

من الأمور التي لاحظتها أن الكثيرين لا يعون أهمية أن نتعامل مع المادة من حولنا بطريقة أكثر قرب، لا كما هي عليه، لأن فعل ذلك يوقعنا -والامر يحصل فعلا- في مشكلة الاستهلاك الكمي التي تدمر الابداع في الانسان، كما تدمر فيه مزايا اخرى كالذوق والاحساس الفني وغيرها. أنا هنا لست ضد التكنولوجيا الجديدة بالطبع، ولكن ضد كوننا اصبحنا استهلاكيين لدرجة ان تعاملنا مع المادة من حولنا أصبح جافا، حتى أصبح الأطفال الصغار مثلا  يجهلون حقيقة الاشياء، يتعاملون معها وفق ما هي عليه وفقط، فإن حدث وأن تغيرت قليلا يصبح من الصعب عليهم قبولها. وهذا أمر جد خطير، إذا أخذنا في  الحسبان ما وصل اليه المجتمع من ثقافة استهلاكية وما سيكون عليه الحال في المستقبل القريب.

زيادة على ذلك كله هناك نقطتين مهمتين في هذا الموضوع، الاولى منهما متعلقة بكون البحث في كيفية تشكل المادة والعمل على الاحاطة بها هو العامل الاساسي للاختراع والاكتشاف، ولم يكن العالم ليصل الى ما وصل اليه من تطور تكنولوجي رهيب ان لم يكن المخترعون والمستكشفون قد بذلوا قصار جهدهم في البحث عن مكامن الاشياء، ومكامن الطاقات الجديدة فيها. مثل المصباح الكهربائي الذي لم يأتي سوى من عملية اعادةبلورة طاقة موجودة في شكل جديد. والامر الثاني متعلق بما يحمله الانسان في داخله للمادة بشكل عام، فلا يمكن باي حال من الاحوال ان ينمو بعيدا عنها ولا يرتبط بها، ومما يوسع ادراك الانسان بداية من كونه طفلا رضيعا هو اكتشافه للاشياء من حوله، فعملية ادراكها تحقق له منفعة عقلية وحتى روحية.

ومما قد يشجع على ادراك المادة من حولنا والتفاعل معها وفق ما يجب، المدرسة والبيت. بالنسبة للمدرسة كانت ولا زالت -خصوصا في الجزائر- لا تكاد تقدم أي منفعة حياتية للانسان، الله الا ما يستفيد منه بالحروف التي يتعلمها. اما في مواجهة مصاعب الحياة وخطورتها فهي لا تكاد تقدم شيئا، لكن بامكانها فعل ذلك وبشكل قد يحقق قدرة منفعة كبيرة للمتعلم، ان تفطن المسؤولون لاهمية اثارة العقل بدور الانسان في التحكم في ما حوله من مادة ايا كانت والاستفادة منها واستخدام ملكات العقلية في تطويرها. بدل القيام بتلقينه دروسا سخيفة عن امور سخيفة في الحياة.

اما في البيت، فاخطر ما قد يواجهه الطفل اليوم، ان يقدم له كل شيء جاهز على اساس ان هذا الامر سيدفعه الى التعلم او الرقي بملكاته العقلية، وهذا خطأ. لان النشاط العقلي لا يتولد ما يوجد حوله من امور بقدر ما يتولد من تفاعله الحقيقي معها.

هذا وتبقى النقطة الاساسية في الموضوع كله هو العمل على اكتشاف اشياء جديدة في الحياة، لان عدم فعل ذلك سيوقعنا في فخ نقص الادراك وبالتالي الملل واشياء اخرى، زيادة على ان اهمية التفاعل مع ما حولنا من امور تدخلنا في معرفة الخالق سبحانه الذي لم يخلق هذا الكون عن عبث.

شاركنا رأيك

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s