اعتدنا في الجزائر أن ننهض لكل فعل يمس ديننا من قريب أو بعيد، أو ندفع للنهوض دفعا من قبل إعلام يستغبي عقولنا الصغيرة ويتخمنا بـ”الأنا” الجزائرية التي لا ريب تتلاشى في أول تصادم مع الحقيقة المرة التي هي ببساطة أننا أدنى من أن نحفظ لله خلافته على هذه الأرض. ما حدث في تيزي وزو (إفطار جماعي في النهار في رمضان) وهي ظاهرة استفحلت في الأعوام الأخيرة ليس منفصلا عن ظواهر أخرى كانت اشد استفحالا، ولربما أقوى مثال على ذلك خطف الأطفال واغتصابهم وقتلهم بوحشية. فأن يدعو البعض وفق عواطفنا التي يستثيرها فعل هؤلاء إلى فعل الفعل فيهم، فذلك هو الجهل والغباء بأم جد عينيه، والذي لن يوصلنا إلاّ إلى مزيد من تراكم الظواهر الغريبة حقا عن شوارعنا.
الذي حدث وربما سيحدث مستقبلا، لن يفيد التعامل معه وفق “نخوة الدين” بينما نخوة “مكافحة الفساد” نائمة على بعضها!، و نخوة الإحسان في العمل ونخوة “الوعي من أجل فهم أفضل للعالم من حولنا” مثيرة للسخرية في داخلنا. هكذا فقط كي لا يستغل الدين من طرف ببغاوات لا تعرف سوى ترديد كلمة “الله سيعذبكم وسيحشركم في جهنم”.. بينما الدين أعمق من ذلك وهو أسلوب حياة ينبغي أن يحلل ويرصد لا أن يحكم فقط.
ولربما الوحيدون الذي لا يحق لهم أن يتدخلوا في الموضوع هم علماء الدين والأئمة الذين دُجنوا تدجينا في واقع هم الأدرى أنهم بلا حل ولا عقد فيه في بلاد لا حل ولا عقد فيها إلا للأشباح.. أتمنى فعلا من هؤلاء أن يسمعونا صمتهم ويبقوا بعيدين عن المشهد لأن جل ما قد يفيدون به في تحليل هذه الظاهرة هو القول أن الرب من فوق سبع سماوات حقا “ساخط” ويجب إرضائه بجرجرة هؤلاء “الشواذ” إلى الساحات لسفك دمائهم !.
وربما أو بالتأكيد قطعا ما حدث سيستغل من طرف البعض بأبشع السبل، إعلاميا وسياسيا، ولن يكون أولئك الذين “كسروا حرمة الشهر الفضيل” سوى مجرد ورقة سيلعب بها أفراد على حساب آخرون. ولكن من المستفيد؟، أولئك الذين انتقص يوم من رمضانهم من دون أن يشعروا فيه بالجوع والعطش؟، لو فقط حاول أساتذة علم الاجتماع في الجامعات والمراكز والمعاهد أن يعملوا ولو قليلا على تحليل الظاهرة وفتح نقاش جدي ودي حول أسبابها وآثارها، تأثيرها، لكنا كلنا الفائزون، لخرجنا من عهد الظلمات هذا الذي نحسب فيه أنفسنا “فوق الفوق” حتى كدنا نبلغ عرش رب العالمين.
الظاهرة ربما تحتاج دراسة أكثر وأعمق وأشمل لفهم أسبابها وخلفياتها، وعدم الانسياق الأعمى وراء “إعلام” مدجن وفتان، يلعب على عقول “الأنا” الغبية التي تسكننا في أعماق أعماقنا والتي لا ننفك نسير بها بطريقة هزلية مضحكة وكأننا فعلا “حراس على الدين” أو على “الحق” ونحن أبعد ما نكون في وقتنا هذا عن هاذين.. ولكن هل سيفعلون، وهل سنكون أذكياء حقا بحيث لن تنطلي علينا الحيلة.. أشك في ذلك فعلا.