إحباط، شيء من السوداوية يلوِح لي بعدمية الوجود، يرن صوت عبد الله القصيمي في رأسي، ألم أقل لك؟.. كنت أختلق معه حوارا عن ذاتية الأشياء، عن العرب الفارغي الرؤوس و أصواتهم التي ترتفع بقدر ما ترتفع صواريخ الناسا في الفضاء. أجلس محدقا في الفراغ ببلاهة، يحاذيني و علامات السخرية بادية على وجهه..
كل شيء يبدو بلا طعم، تصر أمي على أن آكل الحلبة بعد أن تخلطها في كأس من الحليب، لكنني أشرب فنجان قهوة مُر.. نفسها المرارة التي أشعر بها بداخلي. حتى هي سوداء اللون أو هكذا تبدو لي بعد أن أتخيلها في رأسي. أحس أحيانا بالمرارة من خلال بطني، يبدو أمرا غريبا.. نفس الإحساس بالجوع لكن بشكل أثقل.
جارتي تلبس سروالا أزرق و كوفية لكن لا يبدو أنها تعني بذلك تعلقها بالقضية !، تمارس اغواءها الموحش كلما مرت من أمامي.. حتى الإغواء صار شاحبا. ليس لي في الحب، أريد بشدة أن أسمعها رأيي.. لكني واثق من أن سبورة المدرسة و كتاب القراءة معقدان إلى الحد الذي لن تفهم معه شيئا من كلامي.
أشعر بالحزن للكتب المكدسة على الرفوف، البعض منها مضى عليه عامان ولم أفتح منه صفحة واحدة، الحرب على الإسلام لآرتشي أوغستين يشعرني بعذاب الضمير. حتى أني لم أستطع اخفاءه.. موجود هناك يراقبني بعتاب في انتظار أن أكفر عن ذنبي و أتناول منه رشفات، أمير واسيني رميته بعد أن قرأت نصفه فقط، لم أندم على ذلك، بدا لي جافا.. لكني بيني و بين نفسي أخجل من الأمير عبد القادر. مذكرات عميد الأسرى اللبنانيين في سجون العدو الصهيوني تنتظر هي الأخرى أن أطلع عليها، أخجل من سمير القنطار كذلك، يأتيني صراخه من بعيد وهو يتألم في غرفة التحقيق، الضابط الاسرائيلي ذو اللكنة اللبنانية و الشعر الأصفر يحسسني بكم نحن العرب ضعفاء، هل يعقل أن يخالجني هذا الشعور من لا قدرتي على قراءة كتاب؟!.
… يا الله ذنوبي كثرت و أنت وحدك من بيدك الغفران. الخطايا تلتصق بي كما هي بقع الزيت التي تتعب أمي على الملابس البيضاء.
أن تنتظر عذاب، و أن تنتظر ما لا تعرفه عذاب أكبر.. أحاول فك شيفرة السواد الذي يتبدى أمام عيني بلا فائدة.. أستسلم للانحدار بلذة ثم سرعان ما أحاول تمالك نفسي لأهوي من جديد نحو فراغ رهيب.
نفس الشعور… عندي كتب موجودين من سنتين وبعدني ما قريتن! كل الوقت كنت حاسة بعذاب الضمير لأنو عادة اول ما اشتري كتاب ببلش فيه وبيخلص دغري.
يمكن القصة الها علاقة بالنفسية وبالظروف المحيطة فينا… تحياتي
يعني نحن في الهوا سوا، كأن الكتب أرواح تعتب علينا حين ننساها.. لذلك لابد من العودة اليها كلما ابتعدنا، لنزيل بعض العتب.