في الجزائر قضينا عمرنا كله نتدرج من مستوى اجتماعي وثقافي و سياسي الى آخر , فمرة نكون اغنياء ومرة مفلسين مرة ديموقراطيين ومرة اسلاميين و مرة اشتراكيين ,مرة من النخب و المرة الاخرى من المشقفين . ونحن نتجول بين هذا الحقول كمن يتجول في الحديقة مشتما زهرة مختلفة كل مرة لم نجد رغم ذلك مكاننا بين كل ما بحثنا فيه وما جرباه …
ان تفعل كل ذلك وترسم على حائط ايامك تجربة جديدة مختلفة كل يوم … هو انك عادي . وان تكون عاديا فلا باس بان تتغير ولا باس في ان تتمتع وان تصرخ وان تدرس وان تثور وتغضب وان وان وان …. لانك عادي فانت في درجة بين اصبعين ولو علوت ولو هبطت ولو حسبت نفسك تنتقل بين اعالي الكون واسفله.
ولكن ان تخرق قانون العادي وان تكون شخص غير عادي هو انك تعرف الحقيقة , منذ مدة وصديق لي منكب على قراءة بعض الكتب التي تخص العشرية السوداء و التي تتهم الجنرالات بالوقوف وراء تقتيل الشعب الجزائري وبعث الخرب في البلاد ومن بين تلك الكتب وابرزها كتاب الحرب القذرة للحبيب سويدية الضابط السابق في الجيش الجزائري الذي يحكي في كتابه عن وقائع حدثت شارك فيها الجيش في ابادة الشعب و القيام بعمليات اغتيال ونفي .وصراحة ان المطل على كتاب مثل هذا لن يرى في احلامه سوى الكوابيس .
الكثيرون منا هم من اولئك الذين يجهلون الاسباب الحقيقة للاقتتال في الجزائر, يجهلون الوقائع والاحداث و الاسرار التي تبعت مختلف الاعمال الوحشية التي كانت تحصل , اما البعض الاخر فانه يعرف القليل ولا ينوي التوسع في معرفة الحقيقة او البحث عنها اما لخوف مما يحيط بهذه الامور من سواد واما لعدم اكتراث بما حصل وهذا الاخير عند الذين لم يتعرضوا مباشرة لمساوئ هذه الحرب .
ومعرفة امور مثل هذه من شانها ان تحدث تغييرا واسعا على المستوى السياسي في البلاد لذلك فان كتاب سويدية ممنوع في الجزائر ومثله كتاب وقائع سنوات الدم للضابط محمد سمراوي وكتاب جنرالات الجزائر وغيرها , لان الحقيقة تصنع تناقضات وتقلب الرؤوس الى الاعقاب و تحرك الخفايا وتبعث الامال و تدفن الاكاذيب و الافتراءات وكذلك هي حقائق العشرية السوداء التي عانى الشعب منها ايما معاناة . لذلك حينما نكون في ايامنا نصارع المشاكل في الشوارع و الادارات و الجامعات و الطرقات فان ذلك يصنع حياتنا بشكلها العادي ويبعدنا عن الحقيقة التي لا تخطر على بالنا في تلك الظروف, انها السلطة كل مرة ومرة التي تضعنا بين اصبعيها حتى لانضعها على المقص .
نتخبط في الكثير من المفارقات العجيبة التي تحصل لنا , اما عندما نطرق المواضيع الحساسة مثل هذا الموضوع الا وهو الحرب الاهلية التي دامت قرابة العشر سنوات فان شعور يحسس المرء بانه كان عاديا في حياته الى ابعد الحدود وما الاحداث و الفروقات و التطورات الا اشياء عادية تحصل ,وان المرء معها يكون بين اصبعين. ثم نتساءل : هل نريد ان نعرف ماذا حصل في الجزائر فعلا لنطرح الشكوك ونستدل ياليقين في التطلع نحو البناء و المستقبل, ام نضل على حياتنا العادية التي توهمنا باننا نعيش على قدر هذا الكون الفسيح؟