في الانتخابات الأخيرة للبلديات , عبتُ القوائم الانتخابية للأحزاب في بلديتي والسبب في ذلك أني ما رأيت في احد من المرشحين القدرة اللازمة للحكم والمسؤولية. التنافس بين الأحزاب لم يكن تنافس برامج المرشحين أو حسن السيرة أو القدرة على القيادة أو غير ذلك من الأمور الواجب توفرها في المرشح, وإنما كان تنافسا على الفوز برضا الكبار و التسارع من اجل إقامة الولائم وشراء أصوات الناخبين عن طريق الفوز بدعم القبلية . كان الأمر في غاية السذاجة لكنه رغم ذلك فهو الأمر الأكثر نجاعة في الحصول على المقاعد والفوز بالانتخابات.
بعد فوز احد المرشحين والذي ينتمي لقائمة الحزب الذي كان عتيدا جبهة التحرير الوطني فان الأمر لما لم يأخذ الصبغة القانونية حينما حصل تزوير من اجل حصول أعضاء هذا الحزب على غالبية المقاعد ولكن لم يكن لهم ذلك فقام الأعضاء الآخرون من الأحزاب الأخرى بعد وقت قليل من نهاية الانتخابات و الذين حصلوا على خمس مقاعد من أصل تسعة بتجميد قرارات الرئيس , طبعا الأمر هنا لم يكن تجميدا خالصا من اجل الديمقراطية أو العدالة وإنما كان فقط من اجل الصراع بين الأحزاب المتنافرة و فقط , هذا يعني أن التجميد جاء بطريقة قانونية ظاهريا فقط.
الأمر العجيب هنا أن الدولة لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تحل المشكلة لان الهدف الأول والغاية الأولى من الترشح هي خدمة الشعب, الشعب الذي لم يراعيه هؤلاء المسائيل واتخذوا من حب السلطة و المصالح الخاصة أهدافا لترشحهم.
أمر كهذا خطير جدا في الجزائر, الأمر ينطلق من مبدأ خدمة الشعب , والدولة هنا لا تضع أي شروط قد تحمي هذا المبدأ من الزوال فأي كان يستطيع الترشح و لا يلزمه للفوز سوى أن يرشي البعض ممن يؤثرون في العائلات و في الجماهير أو يدعم من طرف قبيلته أو أناسه الخاصين حتى ولو كان هذا الشخص عديم الخبرة , صغير السن, أمي … إلى غير ذلك من الأمور التي تجعل منه غير صالحا أبدا للإدارة والحكم.
كما اشرنا سابقا فان الدولة لا تضع شروطا معينة التي يجب توفرها في المرشح حتى تضمن بذلك أن يكون الحاكم في خدمته للشعب غير مقصر معتمدا على خبرته و اطلاعه وحسن تسييره للعمل.من ذلك نشأ الفساد , نشأت الاحتجاجات الشعبية والشبابية التي تعاني منها مجتمعاتنا يوميا, المشكلة مبينة المعالم ظاهرة واضحة ,ولكن هل هناك من يسمع النداء؟.
هذا نموذج بسيط فقط لأصغر تركيبة حكم في الدولة , ينطبق هذا النموذج على كل التركيبات الأخرى وصولا إلى الحاكم الأعلى ألا وهو رئيس الدولة مع اختلافات بسيطة ولكن الأمر هو هو , فحينما يكون من هو في القاع فاسدا فلا تنتظر أن يكون من هو أعلى منه صالحا , إذا كان رئيس البلدية مرتشيا فلا تتوقع أن الوالي ليس كذلك, انه الاستنتاج المنطقي وإلا لوقف كلٌ عند حده حينما تقع المسؤولية على الجميع.
هل يعني ذلك أن تركيبة الدولة غير متزنة؟
طبعا إن الجواب هو نعم , لا يمكن أن تكون تركيبة الدولة متزنة, وإلا لرأينا من هو أحق بالحكم حاكما ولرأينا بان الفاسد يعزل من منصبه غداة توليه إياه أو انه لن يتولاه أبدا, ولكن الأمر ليس لذلك فقط ليس معنى أن تكون الدولة متزنة أي أن كل الرؤساء الصغار وكل الولاة صالحون , لا ليس تماما إن كون الدولة متزنة معناه أن هناك قوانين تضبط في معرفة الفاسد من المصلح وطبعا لن تكون تلك القوانين الحالية المليئة بآلاف الثغرات ولربما تجد من وضعوها كانوا يسعون إلى ذل أي إلى أن توجد فيها ثغرات وهذا طبعا اتهام صريح مني .إن وجود قوانين تضبط الترشح و الانتخاب كذلك من شانه أن يجعل أمر الفساد غير قابل للتداول , قوانين تسير إلى ما بعد الفوز والى ما بعد التنصيب حتى أي لا تكون آنية خاصة بظرف معين , وطبعا فان وضع تلك القوانين ليس بالأمر السهل فكما أشرت سابقا إن تركيبة الدولة من الرأس إلى أخمص قدميها يحكمها الفساد لذلك فمن غير المعقول أن يوضع قانون مثل هذا من قبل المفسدين لان ذلك بطبيعة الحال سيقضي عليهم. ( يتبع )